العلقة السوداء التي هي حظ الشيطان ومغمزه مما اختص به صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وما في بعض الآثار أن التابوت أي تابوت بني إسرائيل كان فيه الطست الذي غسلت فيه قلوب الأنبياء المراد ظاهر قلوبهم، لأن القلب من جملة الأحشاء التي غسلت بغسل الصدر أو البطن كما تقدم على أن ابن دحية ذكر أنه أثر باطل.
وقد يطلق الصدر على القلب من باب تسمية الحال باسم محل. ومنه ما وقع في قصة المعراج «ثم أتى بطست ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغ في صدره» ومنه قول الجلال السيوطي في الخصائص الصغرى: إن شق صدره الشريف من خصائصه صلى الله عليه وسلم على الأصح من القولين: أي شق قلبه. وسيأتي الكلام على ذلك في الكلام على المعراج بما هو أبسط مما هنا.
وعن حليمة رضي الله تعالى عنها: أنها كانت بعد رجوعها به صلى الله عليه وسلم من مكة لا تدعه أن يذهب مكانا بعيدا: أي عنها، فغفلت عنه صلى الله عليه وسلم يوما في الظهيرة فخرجت تطلبه فوجدته مع أخته أي من الرضاعة وهي الشيماء، وكانت تحضنه مع أمها أي ولذلك تدعى أمّ النبي أيضا أي وكانت ترقصه بقولها:
هذا أخ لي لم تلده أمي ... وليس من نسل أبي وعمي
فأنمه اللهم فيما تنمي
فقالت في هذا الحر: أي لا ينبغي أن يكون في هذا الحر، فقالت أخته: يا أمه ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظلّ عليه، إذا وقف وقفت، وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع، فجعلت تقول: أحقا يا بنية؟ قالت: إي والله، فجعلت تقول: أعوذ بالله من شرّ ما يحذر على ابني: أي وفي كلام بعضهم: ورأت يعني حليمة الغمامة تظله، إذا وقف وقفت، وإذا سار سارت.
وقد يقال الرؤية في حق حليمة علمية، وفي حق أخته بصرية فلا مخالفة، أو أنها أبصرتها بعد الإخبار بها كما يدل على ذلك القول بأنه أفزعها ذلك من أمره أي وفي كونها فزعت من ذلك بعد إخبار أخته لها بذلك شيء، فقدمت به على أمه.
أقول: عن الواقدي أن حليمة لما قدمت به صلى الله عليه وسلم إلى مكة لترده لأمه رأت غمامة تظله في الطريق، إن سار سارت، وإن وقف وقفت. وسياق هذه الرواية يقتضي أنها ردته إلى أمه عقب مجيئها به من مكة، وأن ذلك كان قبل شقّ صدره عندها.
وحينئذ تكون هذه قدمة ثانية لحليمة إلى مكة كانت قبل شق صدره، ففي القدمة الأولى كان سنه صلى الله عليه وسلم سنتين، وفي هذه القدمة كان سنه صلى الله عليه وسلم سنتين وأشهرا