إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، فولدت له حبيبة وبها كانت تكنى، وهي ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت في حجره رضي الله تعالى عنها، وتنصر عبيد الله بن جحش هناك وثبتت هي على الإسلام رضي الله تعالى عنها.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي رحمه الله فزوّجه صلى الله عليه وسلم إياها، وأصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار، أي والذي تولى عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاص على الأصح وكلته في ذلك، وهو ابن عم أبيها.
وقيل الذي تولى عقد النكاح عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وقيل كان الصداق أربعة آلاف درهم، وجهزها النجاشي من عنده، وأرسلها مع شرحبيل ابن حسنة في سنة سبع. وقيل تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وعليه يحمل ما في كلام العامري أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد نكاح أم حبيبة رضي الله تعالى عنها بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنه تطبيبا لخاطره.
ثم صفية رضي الله تعالى عنها بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير، قتل مع بني قريظة كما تقدم. وكانت عند سلام بن مشكم، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، وقتل عنها يوم خيبر، وتقدمت قصة قتله في خيبر، ولم تلد لأحد منهما، واصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، لأنه لما جمع سبي خيبر جاءه دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه. فقال: يا رسول الله أعطني جارية من السبي فقال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية رضي الله تعالى عنها. فقيل:
يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خذ جارية من السبي غيرها، فحجبها وجهزتها له أم سليم رضي الله تعالى عنها، وأهدتها له من الليل وكان عمرها لم يبلغ سبع عشرة سنة، فأولم صلى الله عليه وسلم عليها بتمر وسويق.
وفي لفظ: لما أصبح صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده شيء فليجيء به، فبسط نطعا، فجعل الرجل يأتي بالأقط، وجعل الرجل يأتي بالتمر، وجعل الرجل يأتي بالسمن، فحاسوا حيسا، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن أنس قال: كانت صفية عاقلة فاضلة، ودخل عليها صلى الله عليه وسلم يوما وهي تبكي.
فقال لها في ذلك؟ فقالت قد بلغني أن عائشة وحفصة ينالان مني، ويقولان: نحن خير من صفية، نحن بنات عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولي لهن:
كيف تكن خيرا مني، وأبي هارون، وعمي موسى عليهما الصلاة والسلام، وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم: أي فهي بنت نبي وزوج نبي، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرا في وجهها، فسألها عن ذلك. فقالت: رأيت كأن القمر وقع في حجري، فذكرت ذلك لأبي.
وتقدم في رواية أنها ذكرت ذلك لزوجها كنانة، فضرب وجهي ضربة أثرت فيّ هذا الأثر، وقال: إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب.