الأنسب أن يقول ذكروا إسلامها وليس بشيء ويوافقه قول الحافظ ابن كثير الظاهر أن حليمة لم تدرك البعثة. ورده بعضهم فقال: إسلامها لا شك فيه عند جماهير العلماء، ولا يعول على قول بعض المتأخرين إنه لم يثبت. فقد روى ابن حبان حديثا صحيحا دل على إسلامها، وأنكر الحافظ الدمياطي وفودها عليها في حنين وقال: الوافدة عليه في ذلك إنما هي أخته من الرضاعة وهي الشيماء.
أقول: وعلى صحة ما قاله الحافظ الدمياطي لا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم: «أمي أمي» لأنه كان يقال لأخته الشيماء أم النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها كانت تحضنه مع أمها كما تقدم، ولا قول بعض الصحابة أمه التي أرضعته، لأنه يجوز أنه لما قيل أمه حملها على المرضعة له صلى الله عليه وسلم لتيقن موت أمه من النسب. وعلى كون الوافدة عليه في حنين أخته اقتصر في الهدى والله أعلم.
أقول: قال الحافظ ابن حجر بعد أن أورد عدة آثار في مجيء أمه من الرضاعة إليه صلى الله عليه وسلم في حنين، وفي تعدد هذه الطرق ما يقتضي أن لها أصلا أصيلا، وفي اتفاق الطرق على أنها أمه رد على من زعم أن التي قدمت عليه أخته اهـ.
أقول: لا رد في ذلك، لأنه علم أن أخته المذكورة كان يقال لها أم النبي صلى الله عليه وسلم، ووصف بعض الصحابة لها بأنها أمه من الرضاعة تقدم أنه يجوز أن يكون بحسب ما فهم.
ومما يعين أنها أخته ما سيأتي أنها لما أخذت في حنين من جملة سبي هوازن قالت للمسلمين: أنا أخت صاحبكم، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت له: يا رسول الله أنا أختك، قال: وما علامة ذلك، قالت عضة عضيتنيها في ظهري وأنا متوركتك فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة، فقام لها قائما وبسط لها رداءه وأجلسها عليه، ودمعت عيناه إلى آخر ما يأتي.
وكلام المواهب يقتضي أنهما قضيتان: واحدة كانت فيها أخته، والأخرى كانت فيها أمه من الرضاعة حيث قال:«وقد روي أن خيلا له صلى الله عليه وسلم أغارت على هوازن، فأخذوها يعني أخته من الرضاعة التي هي الشيماء، فقالت أنا أخت صاحبكم إلى أن قال فبسط لها رداءه وأجلسها عليه فأسلمت» ثم قال: وجاءته يعني أمه من الرضاعة التي هي حليمة يوم حنين فقام إليها وبسط رداءه لها وجلست عليه.
وهذا كما ترى يوهم أن الخيل التي أغارت على هوازن التي كانت فيها أخته لم تكن في حنين، وأن أمه لم تكن يوم حنين في سبي هوازن مع أن القصة واحدة، وأن سبي هوازن كان يوم حنين. فيلزم أن يكون جاء إليه يوم حنين كل من أمه وأخته من الرضاعة الأولى في غير السبي والثانية في السبي. وأنه فرش لكل رداءه، وهو