عورته، وكان صلى الله عليه وسلم يقابل السيئة بالحسنة، ولا يذم ذواقا ولا يمدحه. والذواق الشيء، يقال ما ذقت ذواقا: أي شيئا من طعام أو شراب.
وعن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما عن رجل من العرب. قال: زحمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وفي رجلي نعل كثيفة، فوطئت بها على رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعجني بعجة بسوط في يده، وقال: بسم الله أوجعتني، قال: فبت لنفسي لائما، أقول أوجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحنا إذا رجل يقول أين فلان، فانطلقت وأنا متخوف، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك وطئت بنعلك على رجلي بالأمس فأوجعتني فبعجتك بالسوط فهذه ثمانون نعجة فخذها بها، ولما نزل قوله تعالى:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩)[الأعراف: الآية ١٩٩] قال له جبريل عليه السلام، أي بعد أن سأله صلى الله عليه وسلم في ذلك: إن ربك عز وجل يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
وفي الحديث:«لا ينال عبد صريح الإيمان حتى يكون كذلك» وفي الحديث إن ذلك أفضل أهل الدنيا والآخرة.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق والمسألة، لا يقطع على أحد حديثه، ولا يتكلم في غير حاجة، يعظم النعمة وإن دقت، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها. وإنما يغضب إذا تعرض للحق بشيء وعند غضبه لذلك لا يثنيه شيء عن الانتصار له، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويتفقد أصحابه ويسأل عنهم، فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده، ويسأل الناس عما الناس فيه، أفضل الناس عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة، أحسنهم مواساة، لا يجلس، ولا يقوم إلا عن ذكر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كل واحد من جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أحدا أكرم عليه منه.
من جالسه أو نادمه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه. من سأله حاجة لم يردّه إلّا بها أو بميسور من القول.
عنده الناس في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء: لا ترفع فيه الأصوات، ولا يتنازعون عنده الحديث.
إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير: أي على غاية من السكون والوقار لأن الطير لا تكاد تقع إلا على ساكن، وإذا تكلم عنده أحد أنصتوا له حتى يفرغ من حديثه: أي لا يقطع بعضهم على بعض حديثه، يضحك مما يضحكون، ويعجب مما يعجبون.