الذي صنع نفاسة حق على أبي بكر، فأقبل الناس على علي كرم الله وجهه وقالوا:
أصبت وأحسنت.
وقد علمت الجمع بين من قال بايع بعد ثلاثة أيام من موته صلى الله عليه وسلم ومن قال: لم يبايع إلا بعد موت فاطمة رضي الله عنها بعد ستة أشهر، وهو أنه بايع أولا ثم انقطع عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه لما وقع بينه وبين فاطمة ما وقع، ثم بايعه مبايعة أخرى، فتوهم من ذلك بعض من لا يعرف باطن الأمر أن تخلفه إنما هو لعدم رضاه ببيعته فأطلق ذلك من أطلقه. ومن ثم أظهر علي كرم الله وجهه مبايعته لأبي بكر ثانيا بعد ثبوتها على المنبر لإزالة هذه الشبهة.
وبهذا يعلم ما وقع في صحيح مسلم عن أبي سعيد من تأخر بيعة علي هو وغيره من بني هاشم إلى موت فاطمة، ومن ثم حكم بعضهم عليه الضعف.
ومما يؤيد الضعف ما جاء أن عليا وأبا بكر رضي الله عنهما جاآ لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بستة أيام، فقال علي كرم الله وجهه: تقدم يا خليفة رسول الله، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: ما كنت لأتقدم رجلا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: «عليّ مني بمنزلتي من ربي» وصلاة أبي بكر رضي الله تعالى عنه بالناس لم تختص بالمرض، فقد جاء أنه وقع قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم، فقال: يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت مر أبا بكر فليصل بالناس، فلما حضرت صلاة العصر أقام الصلاة، ثم أمر أبا بكر فصلى كما تقدم.
وفي شرح مسلم الإمام النووي رحمه الله: وتأخر علي كرم الله وجهه أي ومن تأخر معه عن البيعة لأبي بكر ليس قادحا فيها، لأن العلماء اتفقوا على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل أهل العقد والحل، بل مبايعة من تيسر منهم وتأخره كان للعذر أي الذي تقدم، وكان عذر أبي بكر وعمر وبقية الصحابة واضحا لأنهم رأوا أن المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين، لأن تأخرها ربما لزم عليه اختلاف، فينشأ عنه مفاسد كثيرة كما أفصح به أبو بكر رضي الله تعالى عنه فيما تقدم.
وجاء كما تقدم أنه قيل لعلي كرم الله وجهه: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة؟ فحدثنا فأنت الموثوق به والمأمون على ما سمعت، فقال: لا والله لئن كنت أول من صدق به لا أكون أول من كذب عليه، لو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت القتال على ذلك، ولو لم أجد إلا بردتي هذه، وما تركت أخا بني تيم وعمر بن الخطاب ينوبان على منبره صلى الله عليه وسلم، ولقاتلتهما بيدي، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمت فجأة بل مكث في مرضه أياما وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اخترنا لدنيانا من