المحل سدرة فقعد صلى الله عليه وسلم في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له بحيرا يسأله عن شيء، فقال: من الرجل الذي في ظل السدرة؟ قال له: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقال له: والله هذا نبي هذه الأمة، ما استظل تحتها بعد عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إلا محمد عليه الصلاة والسلام: أي وقد قال عيسى: لا يستظل تحتها بعدي إلا النبي الأمي الهاشمي كما سيأتي في بعض الروايات.
قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون أي سفر أبي بكر معه صلى الله عليه وسلم في سفرة أخرى بعد سفرة أبي طالب انتهى.
أقول: وهي سفرته مع ميسرة غلام خديجة، فإنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم سافر إلى الشام أكثر من مرتين. ويؤيده ما تقدم من قول الراوي وهم يريدون الشام في تجاراتهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج تاجرا إلا في تلك السفرة، وسيأتي أن هذا القول قاله الراهب نسطورا لا بحيرا، قاله لميسرة لا لأبي بكر. إلا أن يقال: لا مانع أن يكون قال ذلك لميسرة ولأبي بكر، لكن ربما يبعده ما سيأتي أن سنه صلى الله عليه وسلم حين سافر مع ميسرة كان خمسا وعشرين سنة على الراجح لا عشر سنين. وعلى هذا فالشجرة لم تكن إلا عند صومعة الراهب نسطورا لا عند صومعة الراهب بحيرا، وذكر بحيرا موضع نسطورا، وهو ما وقع في شرف المصطفى للنيسابوري وهم من بعض الرواة سرى إليه من اتحاد محلهما وهو سوق بصرى. إلا أن يقال: يجوز أن يكون الراهب نسطورا خلف بحيرا في ذلك الصومعة لموته مثلا، وهو أقرب من دعوى تعدد الشجرة، فتكون واحدة عند صومعة بحيرا، وواحدة عند صومعة نسطورا، وكلاهما قال فيها عيسى ما ذكرا.
ومن دعوى اتحادها وأنها بين صومعة بحيرا وصومعة نسطورا وأن العير الذي كان فيه أبو طالب نزل جهة صومعة بحيرا، والعير الذي كان فيه أبو بكر وميسرة نزل جهة صومعة نسطورا، وسيأتي أن بحيرا ونسطورا ونحوهما ممن صدّق بأنه صلى الله عليه وسلم نبي هذه الأمة من أهل الفترة لا من أهل الإسلام، لأنهما لم يدركا البعثة: أي الرسالة بناء على اقترانهما بالنبوة، أو أن المراد بها النبوة: أي لم يدركا النبوة فضلا عن الرسالة بناء على تأخرها عن النبوة.
ثم رأيت الحافظ ابن حجر قال في بحيرا: ما أدري أدرك البعثة أم لا؟ هذا كلامه في الإصابة، وليس هذا بحيرا الراهب الصحابي الذي هو أحد الثمانية الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة.
فعنه رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا شرب الرجل كأسا من خمر» الحديث، ومن قال: إن هذا الحديث منكر ظن أن بحيرا هذا هو بحيرا المذكور هنا الذي لقي النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، والله أعلم.