لم يرم فيه بأسهم، بل قال:«كنت أنبل على أعمامي» أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموه.
وقد يقال: لا مخالفة، لأنه ليس في هذه العبارة أنه لم يرم، بل فيها أنه كان ينبل. ويجوز أن يكون أغلب أحواله صلى الله عليه وسلم ذلك أي أنه كان ينبل: أي يرد النبل، فلا ينافي أنه رمى في بعض الأوقات بأسهم: أي وفي كلام بعضهم: كان أبو طالب يحضر أيام الفجار: أي فجار البراض، وكانت أربعة أيام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام، فإذا جاء هزمت قيس، ولعل المراد قيس هوازن، فلا ينافي ما يأتي من الاقتصار على هوازن. وإذا لم يجئ هو أي في يوم من تلك الأيام هزمت كنانة، فقالوا: لا أبا لك لا تغب عنا ففعل، ذكره في الإمتاع. وذكر فيه أنه صلى الله عليه وسلم طعن أبا براء ملاعب الأسنة في تلك الحروب: أي في بعض تلك الأيام، وأبو براء هذا كان رئيس بني قيس وحامل رايتهم في تلك الحرب، والطعن ظاهر في الرمح محتمل للنبل. وظاهر كلامهم أنه لم يقاتل فيه بغير الرمي للأسهم على تقدير صحة تلك الرواية بذلك. ولا يبعد أن يكون رمى ولم يصب أحدا، إذ لو أصاب أحدا لنقل لأنه مما توفر الدواعي على نقله إلا أن يقال بجواز أن يكون أصاب ثمرة لم تذكر فليتأمل. قال: وسميت الفجار، لأن العرب فجرت فيه لأنه وقع في الشهر الحرام اهـ.
أقول: ظاهره حروب الفجار الأربعة: أي التي هي فجار البراض وغيرها.
وظاهر كلامهم صلى الله عليه وسلم أنه لم يحضر إلا في الفجار الرابع، الذي هو فجار البراض، ثم رأيت التصريح بذلك في الوفاء وسأذكره، وسيأتي في الباب الذي يلي هذا أن حرب الفجار لم يكن في شهر حرام، وسيأتي في هذا الباب ما يدل على ذلك.
أي أن القتال في ذلك لم يكن في الشهر الحرام وإنما سببه كان في الشهر الحرام وهو قتل البراض لعروة الرحال.
فقد قيل سبب القتال أن عروة الرحّال بتشديد الحاء المهملة، وكان من أهل هوازن أجار لطيمة للنعمان بن المنذر ملك الحيرة. واللطيمة: العير التي تحمل الطيب والبز للتجارة: أي فإن المنذر كان يرسل تلك اللطيمة لتباع في سوق عكاظ ويشتري له بثمن ذلك أدم من أدم الطائف، ويرسل تلك اللطيمة في جوار رجل من أشراف العرب، فلما جهز اللطيمة كان عنده جماعة من العرب كان فيهم البرّاض وهو من بني كنانة، وعروة الرحال وهو من هوازن، فقال البراض: أنا أجيرها على بني كنانة يعني قومه، فقال له النعمان: ما أريد إلا من يجيرها على أهل نجد وتهامة، فقال له عروة الرحال: أنا أجيرها لك، فقال له البراض أتجيرها على كنانة؟ فقال نعم وعلى أهل الشيح والقيصوم، ونال من البراض، فخرج عروة الرحال مسافرا وخرج