عنه فلما كان زمن ولاية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اشترى تلك الدور من أهلها وهدمها وبنى المسجد المحيط بها، ثم لما كان زمن ولاية عثمان رضي الله عنه اشترى دورا آخر وغالى في ثمنها وهدمها وزاد في سعة المسجد، ثم إن ابن الزبير رضي الله عنهما زاد في المسجد زيادة كثيرة، ثم إن عبد الملك بن مروان رفع جداره وسقفه بالساج وعمره عمارة حسنة ولم يزد فيه شيئا، ثم إن الوليد بن عبد الملك وسع المسجد وحمل إليه أعمدة الرخام، ثم زاد فيه المهدي والد الرشيد مرتين، واستقر بناؤه على ذلك إلى الآن.
وكانت قريش قبل ذلك: أي قبل بناء منازلهم في الحرم يحترمون الحرم ولا يبيتون فيه ليلا، وإذا أراد أحدهم قضاء حاجة الإنسان خرج إلى الحل.
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما كان بمكة إذا أراد حاجة الإنسان خرج إلى المغمس بكسر الميم أفصح من فتحها، وهو على ثلثي فرسخ من مكة، وهابت قريش قطع شجر الحرم التي في منازلهم التي بنوها، فقد كان بمكة شجر كثير من العضاه والسلم، وشكوا في ذلك إلى قصي فأمرهم بقطعها، فهابوا ذلك، فقالوا نكره أن ترى العرب أنا استخففنا بحرمنا، فقال قصي: إنما تقطعونه لمنازلكم وما تريدون به فسادا، بهلة الله: أي لعنته على من أراد فسادا، فقطعها قصي بيده وبيد أعوانه.
وفي كلام السهيلي عن الواقدي: الأصح أن قريشا حين أرادوا البنيان قالوا لقصي كيف نصنع في شجر الحرم، فحذرهم قطعها وخوفهم العقوبة في ذلك، فكان أحدهم يحدق بالبنيان حول الشجرة حتى تكون في منزله.
قال: وأول من ترخص في قطع شجر الحرم للبنيان عبد الله بن الزبير حين ابتنى دورا بقعيقعان، لكنه جعل فداء كل شجرة بقرة فليتأمل الجمع.
وأنزل قصي القبائل من قريش: أي فإنه جعلها اثنتي عشرة قبيلة كما تقدم في نواحي مكة بطاحها وظواهرها، ومن ثم قيل لمن سكن البطاح قريش البطاح، ولمن سكن الظواهر قريش الظواهر، والأولى أشرف من الثانية، ومن الأولى بنو هاشم، وإلى ذلك يشير صاحب الأصل في وصفه صلى الله عليه وسلم بقوله:
من بني هاشم بن عبد مناف ... وبنو هاشم بحار الحباء
من قريش البطاح من عرف النا ... س لهم فضلهم بغير امتراء
قال بعضهم: كان قصي أول رجل من بني كنانة أصاب ملكا ولما حضر الحج قال لقريش: قد حضر الحج وقد سمعت العرب بما صنعتم وهم لكم معظمون، ولا أعلم مكرمة عند العرب أعظم من الطعام، فليخرج كل إنسان منكم من ماله خرجا ففعلوا، فجمع من ذلك شيئا كثيرا، فلما جاء أوائل الحج نحر على كل طريق من