وكان بينه صلى الله عليه وسلم وبين رجل اختلاف في سلعة، فقال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
احلف باللات والعزى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما حلفت بهما قط» ، فقال الرجل القول قولك، ثم قال الرجل لميسرة وقد خلا به: يا ميسرة هذا نبي، والذي نفسي بيده إنه لهو الذي تجده أحبارنا منعوتا: أي في الكتب، فوعى ميسرة ذلك: أي وقبل أن يصلوا إلى بصرى عيي بعيران لخديجة وتخلف معهما ميسرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الركب فخاف ميسرة على نفسه وعلى البعيرين، فانطلق يسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البعيرين، فوضع يده على أخفافهما وعوذهما، فانطلقا في أول الركب ولهما رغاء.
قال: وفي الشرف أنهم باعوا متاعهم، وربحوا ربحا ما ربحوا مثله قط. قال ميسرة: يا محمد اتجرنا لخديجة أربعين سنة ما ربحنا ربحا قط أكثر من هذا الربح على وجهك انتهى.
وأقول: لا يخفى ما في قول ميسرة: أتجرنا لخديجة أربعين سنة، ولعلها مصحفة عن سفرة، أو هو على المبالغة، والله أعلم.
ثم انصرف أهل البعير جميعا راجعين مكة، وكان ميسرة يرى ملكين يظللانه صلى الله عليه وسلم من الشمس وهو على بعيره إذا كانت الهاجرة واشتد الحر، وهذا هو المعنى بقول الخصائص الصغرى: وخص صلى الله عليه وسلم بإظلال الملائكة له في سفره.
ويحتمل أن المراد في كل سفر سافره، لكن لم أقف على إظلال الملائكة له صلى الله عليه وسلم في غير هذه السفرة. وقد ألقى الله تعالى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب ميسرة، فكان كأنه عبده، فلما كانوا بمرّ الظهران: أي وهو واد بين مكة وعسفان، وهو الذي تسميه العامة بطن مرو، وهو المعروف الآن بوادي فاطمة. قال ميسرة للنبي صلى الله عليه وسلم: هل لك أن تسبقني إلى خديجة فتخبرها بالذي جرى، لعلها تزيدك بكرة إلى بكرتيك: أي وفي رواية: تخبرها بما صنع الله تعالى لها على وجهك، فركب النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في علية: أي في غرفة مع نساء، فرأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل وهو راكب على بعيره وملكان يظللان عليه، فأرته نساءها فعجبن لذلك، ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا، وهو ضعف ما كانت تربح، فسرت بذلك وقالت: أين ميسرة؟ قال:«خلفته في البادية» ، قالت: عجل إليه ليعجل بالإقبال وإنما أرادت أن تعلم أهو الذي رأت أم غيره؟ فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصعدت خديجة تنظر فرأته على الحالة الأولى، فاستيقنت أنه هو.
فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت، فقال لها ميسرة: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام، وإلى ذلك أشار الإمام السبكي رحمه الله في تائيته بقوله: