وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم من حين سيره: أي من مكة صارت الغمامة تظله، فإن كانت غير الملكين، فالغمامة كانت تظله في الذهاب والملكان يظلانه في العود، ولعل عدم ذكر ميسرة لخديجة تظليل الغمامة له صلى الله عليه وسلم في ذهابه أنه لم يفطن لها مثلا، ولكن سيأتي في كلام صاحب الهمزية ما يدل على أن الملكين هما الغمامة.
وفيه وقوع رؤية البشر غير نبينا صلى الله عليه وسلم للملائكة غير جبريل، وسيأتي رؤية جمع من الصحابة لجبريل.
وفي المنقذ من الضلال للغزالي أن الصوفية يشاهدون الملائكة في يقظتهم: أي لحصول طهارة نفوسهم، وتزكية قلوبهم، وقطعهم العلائق، وحسمهم مواد أسباب الدنيا من الجاه والمال، وإقبالهم على الله تعالى بالكلية علما دائما وعملا مستمرا، والله أعلم. قال: ولم أقف على اسم الرجل الذي حالفه: أي استحلفه.
وقال الحافظ ابن حجر: لم أقف على رواية صحيحة صريحة فيه بأنه: أي ميسرة بقي إلى البعثة انتهى.
ثم إن خديجة ذكرت ما رأته من الآيات وما حدثها به غلامها ميسرة لابن عمها ورقة بن نوفل وكان نصرانيا: أي بعد أن كان يهوديا على ما يأتي، قد تتبع الكتب، فقال لها: إن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا نبي هذه الأمة، وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي منتظر هذا زمانه: أي وكان صلى الله عليه وسلم يتجر قبل النبوة قبل أن يتجر لخديجة، وكان شريكا للسائب بن أبي السائب صيفي.
ولما قدم عليه السائب يوم فتح مكة قال له: مرحبا بأخي وشريكي، كان لا يداري: أي لا يرائي، ولا يماري: أي يخاصم صاحبه، وهذا يدل على أن قوله كان لا يداري الخ من مقوله صلى الله عليه وسلم.
وقد قال فقهاؤنا: والأصل في الشركة خبر السائب بن يزيد أنه كان شريكا للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وافتخر بشركته بعد المبعث: أي قال: كان صلى الله عليه وسلم نعم الشريك لا يداري ولا يماري ولا يشاري. والمشاراة: المشاحة في الأمر واللجاج فيه، وهو يدل على أن ذلك كان من مقول السائب. ولا مانع أن يكون كل من النبي صلى الله عليه وسلم والسائب قال في حق الآخر: كان لا يداري ولا يماري. وبهذا يندفع قول بعضهم: اختلفت الروايات في هذا الكلام الذي هو كان خير شريك، كان لا يشاري، ولا يماري، فمنهم من يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم في السائب، ومنهم من يجعله من قول السائب في حق النبي صلى الله عليه وسلم.
ويمكن أن لا يكون مخالفة بين السائب بن أبي السائب صيفي وبين السائب بن يزيد، لأنه يجوز أن يكون صيفي لقبا لوالده اسمه يزيد.