للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا يندفع ما يقال: مقتضى كون أصل طينته صلى الله عليه وسلم بمكة أن يكون مدفنه بها، لأن تربة الشخص تكون في محل مدفنه ثم عجنها بطينة آدم، ولعل هذه الطينة هي المعبر عنها بالنور في قوله صلى الله عليه وسلم وقد قال له جابر: «يا رسول الله أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء؟ قال: يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، ولم يكن في ذلك الوقت لا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا لوح ولا قلم» الحديث.

وجاء «أول ما خلق الله نوري» وفي رواية: «أول ما خلق الله العقل» قال الشيخ عليّ الخواص: ومعناهما واحد، لأن حقيقته صلى الله عليه وسلم يعبر عنها بالعقل الأول وتارة بالنور. فأرواح الأنبياء والأولياء مستمدة من روح محمد صلى الله عليه وسلم هذا كلامه، وهذا هو المعني بقول بعضهم: لما تعلقت إرادة الحق بإيجاد خلقه أبرز الحقيقة المحمدية من الأنوار الصمدية في الحضرة الأحدية، ثم سلخ منها العوالم كلها علوها وسفلها.

وفيه أن هذا لا يناسبه قوله: «ولم يكن في ذلك الوقت لا سماء ولا أرض» إذ كيف يأتي ذلك مع قول كعب الأحبار، أمر جبريل أن يأتيه بالطينة التي هي قلب الأرض إلى آخره؟ ومع قول ابن عباس: أصل طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرة الأرض. إلا أن يقال إن ذلك النور بعد إيجاده أودع تلك الطينة التي هي قلب الأرض وسرتها.

وحينئذ لا يخالف ذلك ما جاء أن الله خلق آدم من طين العزة من نور محمد صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم الجنس العالي لجميع الأجناس والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس.

هذا وقد جاء في حديث بعض رواته متروك الحديث «خلق الله آدم من تراب الجابية، وعجنه بماء الجنة» وجاء «خلق الله آدم من تربة دحنا ومسح ظهره بنعمان الأراك» ودحنا: محل قريب من الطائف، وتقدم أنه يحتاج إلى بيان وجه كون آدم خلق من نوره وجعل نوره في ظهر آدم. ولما خلق الله آدم وقبل نفخ الروح فيه، استخرج ذلك النور من ظهره وأخذ عليه العهد أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: الآية ١٧٢] فقد خص بذلك عن بقية خلقه من بني آدم فإن بني آدم ما أخرجوا من ظهر آدم وأخذ عليهم الميثاق إلا بعد نفخ الروح في آدم.

ونقل بعضهم أن الله تعالى لما أخرج الذرية وأعاده في صلب آدم، أمسك روح عيسى إلى أن أتى وقت خلقه. ولا يخفى أن هذا يفيد أن أخذ العهد على الصديق كان بعد نفخ الروح في آدم، وأخذ العهد عليه صلى الله عليه وسلم كان سابقا على ذلك، وحينئذ فيكون المراد بقول الصديق حينئذ لما قال له صلى الله عليه وسلم: «أتعرف يوم يوم، وقال نعم» إلى قوله: «ولقد سمعتك تقول حينئذ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» أي حين أخذ العهد على بني آدم، لا حين أخذ العهد عليه صلى الله عليه وسلم كما قد يتبادر فليتأمل.

ثم لما نفخت الروح في آدم صار ذلك النور في ظهر آدم فصارت الملائكة

<<  <  ج: ص:  >  >>