للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبر بأنه لا يؤمن منهم إلا من آمن معه وهم أهل السفينة وكانوا ثمانين: أربعين رجلا، وأربعين امرأة.

وفي عوارف المعارف: أصحاب السفينة، كانوا أربعمائة. وقد يقال من الآدميين وغيرهم فلا مخالفة، دعا على من عدا من ذكر باستئصال العذاب لهم، فكان الطوفان الذي كان به هلاك جميع أهل الأرض إلا من آمن، ولو لم يكن مرسلا إليهم ما دعا عليهم بسبب مخالفتهم له في عبادة الأصنام، لقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ [الإسراء: الآية ١٥] أي حتى في الدنيا حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: الآية ١٥] .

وقد ثبت أن نوحا أول الرسل: أي لمن يعبد الأصنام، لأن عبادة الأصنام أول ما حدثت في قومه وأرسله الله إليهم ينهاهم عن ذلك، وحينئذ لا يخالف كون أول الرسل آدم أرسله الله تعالى إلى أولاده بالإيمان بالله تعالى وتعليم شرائعه. وذكر بعضهم أنه كان مرسلا لزوجته حواء في الجنة، لأن الله تعالى أمره أن يأمرها وينهاها في ضمن أخباره بأمره ونهيه، بقوله تعالى: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة: الآية ٣٥] وذلك عين الإرسال كما ادعاه بعضهم.

فعلم أن عموم رسالة نوح عليه الصلاة والسلام لجميع أهل الأرض في زمنه لا يساوي عموم رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، لما علمت أن رسالته عامة حتى لمن يوجد بعد زمنه، وحينئذ يسقط السؤال وهو لم يبق بعد الطوفان إلا مؤمن، فصارت رسالة نوح عليه الصلاة والسلام عامة. ويسقط جواب الحافظ ابن حجر عنه بأن هذا العموم الذي حصل بعد الطوفان لم يكن من أصل بعثته بل طرأ بعد الطوفان، بخلاف رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قيل كان بين الدعوة والطوفان مائة عام، وقد حققنا فيما سبق أن آدم ومن بعده دعا إلى الإيمان بالله تعالى وعدم الإشراك به، إلا أن الإشراك به وعبادة الأصنام اتفق أنه لم يقع إلا زمن نوح ومن بعده.

وأما قول اليهود أو بعضهم وهم العيسوية طائفة من اليهود أتباع عيسى الأصفهاني: إنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث للعرب خاصة دون بني إسرائيل، وإنه صادق ففاسد، لأنهم إذا سلموا أنه رسول الله، وأنه صادق لا يكذب لزمهم التناقض، لأنه ثبت بالتواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله لكل الناس.

أقول: قال بعضهم: ولا ينافيه قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: الآية ٤] لأنه لا يدل على اقتصار رسالته عليهم، بل على كونه متكلما بلغتهم ليفهموا عنه أولا، ثم يبلغ الشاهد الغائب، ويحصل الإفهام لغير أهل تلك اللغة من الأعاجم بالتراجم الذين أرسل إليهم، فهو صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الكافة وإن كان هو وكتابه عربيين كما كان موسى وعيسى عليها الصلاة والسلام مبعوثين لبني إسرائيل بكتابيهما

<<  <  ج: ص:  >  >>