العيد: الأقرب أن اللام فيها للعهد، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف: أي وهذا هو المقام المحمود الذي يحمده ويغبطه فيه الأولون والآخرون، المعني بقوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الإسراء: الآية ٧٩] .
وعن حذيفة رضي الله تعالى عنه «تجمع الناس في صعيد واحد، فأول مدعو محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: لبيك وسعديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، وعبدك بين يديك، ولك وإليك لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت» .
وقد هاجت فتنة كبيرة ببغداد بسبب هذه الآية، أعني عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩)[الإسراء: الآية ٧٩] فقالت الحنابلة: معناه يجلسه الله تعالى على عرشه. وقال غيرهم: بل هي الشفاعة العظمى في فصل القضاء، فدام الخصام إلى أن اقتتلوا فقتل كثيرون.
وهذه الشفاعة إحدى الشفاعات الثلاث المعنية بقوله صلى الله عليه وسلم:«لي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن» .
وفي كلام بعضهم: له صلى الله عليه وسلم تسع شفاعات أخر غير فصل القضاء، جرى في اختصاصه ببعضها خلاف، وهي: الشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب ولا عقاب. قال النووي وجماعة: هي مختصة به صلى الله عليه وسلم، والشفاعة في أناس استحقوا دخول النار فلا يدخلونها. قال القاضي عياض وغيره: ويشترك فيها من يشاء الله تعالى. والشفاعة في إخراج من أدخل النار من الموحدين وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان وهي مختصة به صلى الله عليه وسلم. والشفاعة في إخراج من أدخل منهم النار وفي قلبه أزيد من ذرة من إيمان، ويشاركه فيها الأنبياء والملائكة والمؤمنون. وظاهر هذا السياق أن المراد بمن في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلى آخره عام في أمته وغيرهم من الأمم.
وهو يخالف قول بعضهم: جاء في الصحيح «فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. أي ومات على ذلك- قال: ليس ذلك لك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله» .
ولا يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«أتاني آت من عند ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي» وفي رواية «ثلثي أمتي الجنة» أي بلا حساب ولا عذاب «وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا، فاخترت الشفاعة وعلمت أنها أوسع لهم» .
لأنا نقول: المراد بالذين تناله شفاعته صلى الله عليه وسلم ممن مات لا يشرك بالله شيئا