وجاء «لأشفعنّ يوم القيامة لأكثر مما في الأرض من حجر وشجر» وعن أنس رضي الله تعالى عنه «فضلت على الناس بأربع: بالسخاء، والشجاعة، وقوة البطش، وكثرة الجماع» أي فعن سلمى مولاته صلى الله عليه وسلم أنها قالت «طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه التسع ليلته وتطهر من كل واحدة قبل أن يأتي الأخرى وقال: هذا أطهر وأطيب» .
ومما يدل على قوة بطشه صلى الله عليه وسلم ما وقع له مع ركانة كما سيأتي. وفي الخصائص الصغرى: وكان أفرس العالمين، فهو صلى الله عليه وسلم أجود بني آدم على الإطلاق، كما أنه أفضلهم وأشجعهم وأعلمهم وأكملهم في جميع الأخلاق الجميلة والأوصاف الحميدة.
قال ابن عبد السلام: من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أخبره بالمغفرة: أي لما تقدم وتأخر، ولم ينقل أنه أخبر أحدا من الأنبياء بمثل ذلك: أي ولأنه لو وقع لنقل لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله، بل ومما اختص به صلى الله عليه وسلم وقوع غفران نفس الذنب المتقدم والمتأخر، كما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم في بيان ما اختص به عن الأنبياء «وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر» أي ولا ينافي ذلك قوله تعالى في حق داود فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ [ص: الآية ٢٥] لأنه غفران لذنب واحد. قال ابن عبد السلام: بل الظاهر أنه لم يخبرهم أي بغفران ذنوبهم، بدليل قولهم في الموقف «نفسي نفسي، لأني» إلى آخره.
وعن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمع بي من يهودي أو نصراني ثم لم يسلم دخل النار» أي لأنه يجب عليه أن يؤمن به.
أقول: والذي في مسلم «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» أي من سمع بنبينا صلى الله عليه وسلم ممن هو موجود في زمنه وبعده إلى يوم القيامة ثم مات غير مؤمن بما أرسل به كان من أصحاب النار. أي ومن جملة ما أرسل به أنه أرسل إلى الخلق كافة لا لخصوص العرب تأمل، وإنما خص اليهود والنصارى بالذكر تنبيها على غيرهما لأنه إذا كان حالهما ذلك مع أن لهم كتابا فغيرهم مما لا كتاب له كالمجوسي أولى، لأن اليهود كتابهم التوراة، والنصارى كتابهم الإنجيل لأن شريعة التوراة التي هي شريعة موسى يقال لها اليهودية أخذا من قول موسى عليه الصلاة والسلام إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ [الأعراف: الآية ١٥٦] أي رجعنا إليك، فمن كان على دين موسى يسمى يهوديا، وشريعة الإنجيل يقال لها النصرانية، أخذا من قول عيسى عليه الصلاة والسلام مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران: الآية ٥٢] فمن كان على دين عيسى يسمى نصرانيا، وكان القياس أن يقال له أنصاري. وقيل النصراني نسبة إلى ناصرة قرية من قرى الشام نزل بها عيسى عليه السلام كما تقدم، ولا مانع من رعاية الأمرين في ذلك.
وجاء في رواية «وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة» أي والأمم السابقة كانوا يصلون متفرقين كل واحد على حدته، وإن أمته صلى الله عليه وسلم حط عنها الخطأ والنسيان وحمل ما لا تطيقه،