الثلاثة له وعد منها الرؤيا في المنام، وعد منها الكلام من غير واسطة، وبواسطة جبريل نظر، لما علمت أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعهم مشتركون في الرؤيا، وموسى عليه الصلاة والسلام حصل له كل من الكلام بلا واسطة وبواسطة جبريل.
وذكر بعضهم أن مدة الرؤيا ستة أشهر قال فيكون ابتداء الرؤيا حصل في شهر ربيع الأول، وهو مولده صلى الله عليه وسلم ثم أوحى الله إليه في اليقظة أي في رمضان ذكره البيهقي وغيره.
وجاء في الحديث:«الرؤيا الصادقة» وفي البخاري «الرؤيا الحسنة: أي الصادقة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزآ من النبوة» . قال بعضهم: معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث أقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشر سنين يوحي إليه ومدة الوحي إليه في اليقظة ثلاث وعشرون سنة، ومدة الوحي إليه في المنام أي التي هي الرؤيا ستة أشهر، فالمراد خصوص رؤيته وخصوص نبوته صلى الله عليه وسلم، وهذا القيل نقله في الهدى وأقره حيث قال: كانت الرؤيا ستة أشهر، ومدة النبوة ثلاثا وعشرين سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزآ، هذا كلامه. وحينئذ يكون المعنى ورؤيتي جزء من ستة وأربعين جزآ من نبوتي، ولا يخفى أن هذا لا يناسب «الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح» إذ هو يقتضي أن مطلق الرؤيا الصالحة جزء من مطلق النبوة الشامل لنبوته صلى الله عليه وسلم ونبوة غيره فليتأمل. ولم أقف في كلام أحد على مشاركة أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام له صلى الله عليه وسلم في هاتين المدتين. وحينئذ تحمل الخصوصية التي ادعاها بعضهم على هذا.
ومما يدل على أن المراد مطلق الرؤيا ومطلق النبوة لا خصوص رؤياه ونبوته صلى الله عليه وسلم، ما جاء في ذلك من الألفاظ التي بلغت خمسة عشر لفظا.
ففي رواية «أنها جزء من سبعين جزآ» وفي رواية «من أربعة وأربعين» وفي رواية «أنها جزء من خمسين جزآ من النبوة» وفي رواية «من تسعة وأربعين» وفي أخرى «أنها جزء من ستة وسبعين» وفي أخرى «من خمسة وعشرين جزآ» وفي أخرى «من ستة وعشرين جزآ» وفي أخرى «من أربعة وعشرين جزآ» فإن ذلك باعتبار الأشخاص لتفاوت مراتبهم في الرؤيا.
وذكر الحافظ ابن حجر أن أصح الروايات مطلقا رواية ستة وأربعين، ويليها رواية أنها جزء من سبعين جزآ.
فعلم أن الرؤية المذكورة جزء من مطلق النبوة: أي كجزء منها من جهة الاطلاع على بعض الغيب، فلا ينافي انقطاع النبوة بموته صلى الله عليه وسلم.