(١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦)[القلم: الآيات ١- ٦] فلما سمعت خديجة قراءته اهتزت فرحا ثم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم فداك أبي وأمي، امض معي إلى عداس، فلما رآه عداس كشف عن ظهره فإذا خاتم النبوة يلوح بين كتفيه، فلما نظر عداس إليه خر ساجدا يقول: قدوس قدوس، أنت والله النبي الذي بشر بك موسى وعيسى الحديث.
وفيه إن كان هذا قبل أن تذهب به إلى ورقة اقتضى أن نزول سورة ن قبل اقرأ، ولا يحسن ذلك مع قوله لجبريل ما أنا بقارئ، إذ هو صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يقرأ قبل ذلك شيئا، ومن ثم كان المشهور أن أول ما نزل اقرأ. وكون ن نزلت لهذا السبب مخالف لما ذكر في أسباب النزول أنها نزلت لما وصفه المشركون بأنه مجنون، إلا أن يقال لا مانع من تعدد النزول.
وذكر ابن دحية أيضا أنه صلى الله عليه وسلم لما أخبرها بجبريل ولم تكن سمعت به قط، كتبت إلى بحيرا الراهب فسألته عن جبريل، فقال لها: قدوس قدوس يا سيدة نساء قريش، أنى لك بهذا الاسم؟ فقالت: بعلي وابن عمي أخبرني بأنه يأتيه، فقال: إنه السفير بين الله وبين أبنائه، وإن الشيطان لا يجترئ أن يتمثل به، ولا أن يتسمى باسمه.
وهذه العبارة: أي كون جبريل هو السفير بين الله وبين أنبيائه صدرت من الحافظ السيوطي، وزاد: ولا يعرف ذلك لغيره من الملائكة.
واعترض عليه بعضهم بأن إسرافيل كان سفيرا بين الله وبينه صلى الله عليه وسلم. فعن الشعبي أنه جاءته صلى الله عليه وسلم النبوة وهو ابن أربعين سنة، وقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل، وفي لفظ عنه: فلما مضت ثلاث سنين تولى عنه إسرافيل وقرن به جبريل: أي وقد تقدم أن إسرافيل قرن به صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ثلاث سنين يسمع حسه ولا يرى شخصه، يعلمه الشيء بعد الشيء إلى آخره، وحينئذ يلزم أن يكون قرن به بعد النبوة ثلاث سنين أيضا، وسيأتي عن بحث بعض الحفاظ أنها مدة فترة الوحي فليتأمل. وأجاب الحافظ السيوطي عن ذلك بأن السفير هو المرصد لذلك، وذلك لا يعرف لغير جبريل، ولا ينافي ذلك مجيء غيره من الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان.
ولك أن تقول: إن كان المراد بالمجيء إليه بوحي من الله كما هو المتبادر فليس في هذه الرواية أن إسرافيل وغيره من الملائكة كان يأتيه بوحي من الله قبل مجيء جبريل له صلى الله عليه وسلم بوحي غير النبوة، ولا يخرجه ذلك عن الاختصاص باسم السفير، وبأن إسرافيل لم ينزل لغير النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كما ثبت في الحديث، فلم يكن السفير بين الله وجميع أنبيائه.
قيل وإنما خص بذلك لأنه أول من سجد من الملائكة لآدم. ورأيته سئل هل