الأمة هو الأول: أي القول بأنه اقرأ، وأما الذي نسبه إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول، هذا كلامه.
ثم رأيت الإمام النووي قال: القول بأن الفاتحة أول ما نزل بطلانه أظهر من أن يذكر: أي ومما يدل على ذلك ما جاء من طرق عن مجاهد أن الفاتحة نزلت بالمدينة. ففي تفسير وكيع عن مجاهد: فاتحة الكتاب مدنية، وفيه أنه جاء عن قتادة أنها نزلت بمكة.
وعن علي كرم الله وجهه كما في أسباب النزول للواحدي أنها نزلت بمكة من كنز تحت العرش. وفيها عنه «لما قام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)[الفاتحة: الآية ١ و ٢] قالت قريش رض الله فاك» . وفي الكشاف أن الفاتحة نزلت بمكة، وقيل نزلت بالمدينة، فهي مكية مدنية، هذا كلامه وتبعه على ترجيح أنها مكية القاضي البيضاوي حيث قال: وقد صح أنها مكية. وفي الإتقان وذكر قوم منه أي مما تكرر نزوله الفاتحة، فليتأمل فإنه لا يقال ذلك إلا بناء على أنها نزلت بهما: أي نزلت بمكة ثم بالمدينة مبالغة في شرفها. وقد أشار القاضي البيضاوي إلى أن تكرير نزولها ليس مجزوم به. وقيل نزل نصفها بمكة ونصفها بالمدينة.
قال في الإتقان: والظاهر أن النصف الذي نزل بالمدينة النصف الثاني، قال ولا دليل لهذا القول، هذا كلامه.
واستدل بعضهم على أنها مكية بأنه لا خلاف أن سورة الحجر مكية، وفيها وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧)[الحجر: الآية ٨٧] وهي الفاتحة. فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قرئ عليه الفاتحة «والذي نفسي بيده ما أنزل الله تعالى في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، إنها لهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .
وقد حكى بعضهم الاتفاق على أن المراد بالسبع المثاني في آية الحجر هي الفاتحة. ويردّ دعوى الاتفاق قول الجلال السيوطي: وقد صح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير السبع المثاني في آية الحجر بالسبع الطوال.
ومما يدل على أن المراد بها الفاتحة، ما ذكر في سبب نزولها وهو أن عيرا لأبي جهل قدمت من الشام بمال عظيم وهي سبع قوافل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينظرون إليها وأكثر الصحابة بهم عري وجوع، فخطر ببال النبي صلى الله عليه وسلم شيء لحاجة أصحابه فنزل وَلَقَدْ آتَيْناكَ [الحجر: الآية ٨٧] أي أعطيناك سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الحجر:
الآية ٨٧] مكان سبع قوافل، ولا تنظر إلى ما أعطيناه لأبي جهل وهو متاع الدنيا الدنية وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ [الحجر: الآية ٨٨] أي على أصحابك وَاخْفِضْ جَناحَكَ [الحجر: الآية ٨٨]