ولما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا كان يقال له زيد بن محمد، ولم يذكر في القرآن من الصحابة أحد باسمه إلا هو كما سيأتي. قال ابن الجوزي: إلا ما يروى في بعض التفاسير أن السجلّ الذي في قوله تعالى: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الأنبياء: الآية ١٠٤] اسم رجل كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم.
أي وقد أبدى السهيلي حكمة لذكر زيد باسمه في القرآن، وهي أنه لما نزل قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ [الأحزاب: الآية ٥] وصار يقال له زيد بن حارثة ولا يقال له زيد بن محمد، ونزع منه هذا التشريف شرفه الله تعالى بذكر اسمه في القرآن دون غيره من الصحابة، فصار اسمه يتلى في المحاريب.
ولا يخفى أنه يأتي في زيد ما تقدم في علي، ولم تذكر في القرآن امرأة باسمها إلا مريم ولزيد أخ اسمه جبلة أسنّ منه.
سئل جبلة: من أكبر أنت أم زيد؟ فقال زيد: أكبر مني وأنا ولدت قبله: أي لأن زيدا أفضل منه لسبقه للإسلام.
ثم أسلم من الصحابة أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. قال بعضهم في سبب إسلامه، إنه كان صديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر غشيانه في منزله ومحادثته، وكان سمع قول ورقة له لما ذهب معه إليه كما تقدم، فكان متوقعا لذلك، فهو مع حكيم بن حزام في بعض الأيام إذ جاءت مولاة لحكيم وقالت له: إن عمتك خديجة تزعم في هذا اليوم أن زوجها نبيّ مرسل مثل موسى، فانسل أبو بكر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن خبره، فقص عليه قصته المتضمنة لمجيء الوحي له بالرسالة، فقال صدقت، بأبي أنت وأمي وأهل الصدق أنت، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فيقال إنه سماه يومئذ الصديق، وهذا السياق ربما يدل على أن إسلام أبي بكر تأخر إلى نزول يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)[المدّثر: الآية ١] بعد فترة الوحي، بناء على ما تقدم، وكونه سماه يومئذ الصديق لا ينافي ما سيأتي أنه سمي بذلك صبيحة الإسراء لما صدقه وقد كذبته قريش، لجواز أنه لم يشتهر بذلك إلا حينئذ.
وقد جاء في تفسير قوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزّمر: الآية ٣٣] أن الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي صدق به أبو بكر. قال: ولما سمعت خديجة مقالة أبي بكر، خرجت وعليها خمار أحمر فقالت: الحمد لله الذي هداك يا ابن أبي قحافة، واسمه عبد الله: أي سماه بذلك رسول صلى الله عليه وسلم وكان اسمه قبل ذلك عبد الكعبة، فأبو بكر رضي الله تعالى عنه أول من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه، ولقبه عتيق لحسن وجهه، أو لأنه عتق من الذمّ والعيب أي أو نظر إليه صلى الله عليه وسلم فقال هذا عتيق من النار، فهو أول لقب وجد في الإسلام.
وقيل سمته بذلك أمه لأنه كان لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به الكعبة