طعاما، ثم قال لي ادع لي بني عبد المطلب، فدعوت أربعين رجلا» الحديث، ولا مانع من تكرر فعل ذلك ويجوز أن يكون عليّ فعل ذلك عند خديجة وجاء به إلى بيت أبي طالب، ولعل جمعهم هذا كان متأخرا عن جمعهم مع غيرهم المتقدم ذكره ويشهد له السياق، فعل ذلك حرصا على إسلام أهل بيته، فلما دعا قومه ولم يردوا عليه ولم يجيبوه: أي وفي رواية: صار كفار قريش غير منكرين لما يقول فكان صلى الله عليه وسلم إذ مرّ عليهم في مجالسهم يشيرون إليه إن غلام بني عبد المطلب ليكلم من السماء، وكان ذلك دأبهم حتى عاب آلهتهم: أي وسفه عقولهم وضلل آباءهم: أي حتى أنه مر يوما وهم في المسجد الحرام يسجدون للأصنام، فقال: «يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم، فقالوا إنما نعبد الأصنام حبا لله لتقربنا إلى الله فأنزل الله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: الآية ٣١] فتناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته إلا من عصم الله منهم، وجاؤوا إلى أبي طالب وقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سبّ آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وعقولنا، ينسبنا إلى قلة العقل، وضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فقال لهم أبو طالب قولا رقيقا وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر دين الله ويدعو إليه لا يرده عن ذلك شيء، وإلى ذلك أشار صاحب الهمزية بقوله:
ثم قام النبي يدعو إلى الله ... وفي الكفر شدة وإباء
أمما أشربت قلوبهم الكف ... ر فداء الضلال فيهم عياء
أي ثم قام صلى الله عليه وسلم يدعو جماعاتهم إلى الله تعالى بأن يقولوا لا إله إلا الله حسبما أمر، فقد جاء أن جبريل تبدى له صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة وأطيب رائحة وقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: أنت رسول الله إلى الجن والإنس، فادعهم إلى قول لا إله إلا الله فدعاهم والحال أن في أهل الكفر قوة تامة وامتناعا عن اتباعه، اختلط الكفر بقلوبهم وتمكن فيها حبه حتى صارت لا تقبل غيره، وبسبب ذلك صار داء الضلال: أي داء هو الضلال فيهم عضال يعيي الأطباء مداواته وحصول شفائه، ثم شري الأمر- أي بالشين المعجمة وكسر الراء وفتح المثناة تحت- كثر وتزايد وانتشر بينهم وبينه حتى تباعد الرجال وتضاغنوا: أي أضمروا العداوة والحقد وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وتذامروا عليه- بالذال المعجمة- وحض أي حث بعضهم بعضا عليه أي على حربه وعداوته ومقاطعته، ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا: يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد طلبنا منك أن تنهي ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا: أي عقولنا، وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى