للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الإبل والله ما رأيت مثله قط، همّ بي أن يأكلني، فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ذاك جبريل لو دنا لأخذه» وإلى ذلك يشير صاحب الهمزية بقوله:

وأبو جهل إذ رأى عنق الفح ... ل إليه كأنه العنقاء

أي وأبو جهل الذي هو أشد الأعداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت أن همّ أن يلقي الحجر عليه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد أبصر عنق الفحل وقد برزت إليه كأنه الداهية العظيمة:

أي فرجع عن ذلك الرمي بذلك الحجر: أي وفي رواية أن أبا جهل قال: رأيت بيني وبينه كخندق من نار. ولا مانع أن يكون وجد الأمرين معا.

وذكر في سبب نزول قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) [يس: الآية ٨] أي إنا جعلنا أيديهم متصلة بأعناقهم واصلة إلى أذقانهم ملصقة بها، رافعون رؤوسهم لا يستطيعون خفضها من أقمح البعير رفع رأسه وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) [يس: الآية ٩] إن الآية الأولى نزلت في أبي جهل لما حمل الحجر ليرضخ به رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعه أثبتت يداه إلى عنقه ولزق الحجر بيده فلما عاد إلى أصحابه أخبرهم فلم يفكوا الحجر من يده إلا بعد تعب شديد. والآية الثانية نزلت في آخر لما رأى ما وقع لأبي جهل قال أنا ألقي هذا الحجر عليه، فذهب إليه صلى الله عليه وسلم، فلما قرب منه عمي بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إليهم فأخبرهم بذلك.

وعن الحكم بن أبي العاص: أي وابنه مروان بن الحكم، أن ابنته قالت له: ما رأيت قوما كانوا أسوأ رأيا وأعجز في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم يا بني أمية، فقال لها:

لا تلومينا يا بنية إني لا أحدثك إلا ما رأيت، لقد أجمعنا ليلة على اغتياله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيناه يصلي ليلا جئنا خلفه فسمعنا صوتا ظننا أنه ما بقي بتهامة جبل إلا تفتت علينا:

أي ظننا أنه يتفتت، وأنه يقع علينا، فما عقلنا حتى قضى صلاته صلى الله عليه وسلم ورجع إلى أهله، ثم تواعدنا ليلة أخرى، فلما جاء نهضنا إليه فرأينا الصفا والمروة التصقتا إحداهما على الأخرى، فحالتا بينا وبينه، ويتأمل هذا لأن صلاته صلى الله عليه وسلم إنما تكون عند الكعبة وليست بين الصفا والمروة.

وفي رواية «كان صلى الله عليه وسلم يصلي فجاءه أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا فأنزل الله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) [العلق: الآية ٩ و ١٠] إلى آخر السورة» .

وفي رواية «أنه صلى الله عليه وسلم لما انصرف من صلاته زأره أبو جهل أي انتهره وقال: إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني، فأنزل الله تعالى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) [العلق: الآية ١٧ و ١٨] » قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله: أي وقال يوما: ولقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد علمت أني أمنع

<<  <  ج: ص:  >  >>