للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله إنها لم ترك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حال بيني وبينها جبريل» ولعل مجيئها قد تكرر فلا منافاة بين ما ذكر وكذا ما يأتي، وكما يقال في الحمد محمد يقال في الذم مذمم، لأنه لا يقال ذلك إلا لمن ذم مرة بعد أخرى، كما أن محمدا لا يقال إلا لمن حمد مرة بعد أخرى كما تقدم. وقد جاء «أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا تعجبون كيف يصرف الله تعالى عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمما، ويلعنون مذمما وأنا محمد» .

وفي الدر المنثور «أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في الملأ، فقالت: يا محمد علام تهجوني؟ قال: إني والله ما هجوتك، ما هجاك إلا الله. قالت: رأيتني أحمل حطبا أو رأيت في جيدي حبلا من مسد» وهذا مما يؤيد ما قاله بعض المفسرين أن الحطب عبارة عن النميمة، يقال: فلان يحطب عليّ: أي ينمّ، لأنها كانت تمشي بين الناس بالنميمة، وتغري زوجها وغيره بعداوته صلى الله عليه وسلم، وتبلغهم عنه أحاديث لتحثهم بها على عداوته صلى الله عليه وسلم، وأن الحبل عبارة عن حبل من نار محكم.

وعن عروة بن الزبير: مسد النار سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا، والله أعلم وإلى ذلك أشار صاحب الهمزية بقوله:

وأعدت حمالة الحطب الفهر ... وجاءت كأنها الورقاء

ثم جاءت غضبى تقول أفي ... مثلي من أحمد يقال الهجاء

وتولت وما رأته ومن أين ... ترى الشمس مقلة عمياء

أي وهيأت حمالة الحطب الفهر؟ ولقبت بذلك، لأنها كانت تحتطب: أي تجمع الحطب وتحمله لبخلها ودناءة نفسها، أو كانت تحمل الشوك والحسك وتطرحه في طريقه صلى الله عليه وسلم. ولا مانع من اجتماع الأوصاف الثلاثة، لكن استفهامها يبعد الوصفين الأخيرين. والفهر الحجر الذي يملأ الكف كما تقدم، لتضرب به النبي صلى الله عليه وسلم والحال أنها جاءت في غاية السرعة والعجلة كأنها في شدة السرعة الحمامة الشديدة الإسراع، حالة كونها غضبى من شدة ما سمعت من ذمها في سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: الآية ١] ، تقول: أفي مثلي وأنا بنت سيد بني عبد شمس يقال الهجاء والسب حالة كونه من أحمد وتولت والحال أنها ما رأته، وكيف ترى الشمس عين عمياء.

أقول: في ينبوع الحياة أنها لما بلغها سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: الآية ١] جاءت إلى أخيها أبي سفيان في بيته وهي مضطرمة: أي متحرقة غضبى، فقالت له:

ويحك يا أخمس: أي يا شجاع أما تغضب أن هجاني محمد، فقال سأكفيك إياه، ثم أخذ سيفه وخرج ثم عاد سريعا فقالت: هل قتلته؟ فقال لها: يا أخية أيسرك أن رأس أخيك في فم الثعبان؟ قالت: لا والله، قال: فقد كان ذلك يكون الساعة. أي فإنه رأى ثعبانا لو قرب منه صلى الله عليه وسلم لالتقم رأسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>