الدخان من الجهد، فأنزل الله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١)[الدخان: الآية ١٠ و ١١] فأتى أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لمضر فإنها قد هلكت، فاستسقى صلى الله عليه وسلم فسقوا، فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم، فأنزل الله يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)[الدّخان: الآية ١٦] » يعني يوم بدر.
ومن ذلك ما حدث به عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر وفي الحجر ثلاثة نفر جلوس: عقبة ابن أبي معيط، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، فمرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، فلما حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره، فعرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فدنوت منه حتى وسطته: أي جعلته وسطا، فكان صلى الله عليه وسلم بيني وبين أبي بكر وأدخل أصابعه في أصابعي وطفنا جميعا، فلما حاذاهم قال أبو جهل: والله لا نصالحك ما بلّ بحر صوفة وأنت تنهى أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا ذلك، ثم مشى عنهم فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك، حتى إذا كان الشوط الرابع ناهضوه، أي قاموا له صلى الله عليه وسلم، ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجامع ثوبه صلى الله عليه وسلم، فدفعت في صدره فوقع على استه، ودفع أبو بكر أمية بن خلف، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف. ثم قال: أما والله لا تنتهون حتى يحل بكم عقابه أي ينزل عليكم عاجلا. قال عثمان: فو الله ما منهم رجل إلا وقد أخذته الرعدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بئس القوم أنتم لنبيكم، ثم انصرف إلى بيته وتبعناه حتى انتهى إلى باب بيته، ثم أقبل علينا بوجهه. فقال: أبشروا، فإن الله عز وجل مظهر دينه، ومتمم كلمته، وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون مما يذبح الله على أيديكم عاجلا، ثم انصرفنا إلى بيوتنا، فو الله لقد ذبحهم الله بأيدينا يوم بدر» .
أقول: ولا يخالف ذلك كون عقبة بن أبي معيط حمل أسيرا من بدر وقتل بعرق الظبية صبرا وهم راجعون من بدر، ولا كون عثمان بن عفان لم يحضر بدرا والله أعلم.
وفي رواية «أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته صلى الله عليه وسلم الشريفة وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان» .
أي وفي رواية «دخل عقبة بن أبي معيط الحجر فوجده صلى الله عليه وسلم يصلي فيه فوضع ثوبه على عنقه صلى الله عليه وسلم وخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر رضي الله تعالى عنه حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ [غافر: الآية ٢٨] .
أي وفي البخاري عن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال: «قلت