التابع على الرجل، حتى يداوى، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع منه قال:
لقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال: فاسمع مني، قال أفعل، قال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤)[فصلت: الآية ٠- ٤] ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقرأها عليه وقد أنصت عتبة لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣)[فصّلت: الآية ١٣] فأمسك عتبة على فيه صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم أن يكف عن ذلك، ثم انتهى إلى السجدة فيها فسجد. ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: يحلف لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم، قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسخر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني فاجعلوها لي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم» قال: وفي رواية «أن عتبة لما قام من عند النبي صلى الله عليه وسلم أبعد عنهم ولم يعد عليهم، فقال أبو جهل: والله يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأعجبه كلامه فانطلقوا بنا إليه، فأتوه فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما جئناك إلا أنك قد صبوت إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأعجبك أمره، فقص عليهم القصة، فقال: والله الذي نصبها بنية يعني الكعبة ما فهمت شيئا مما قال، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، فأمسكت بفيه فأنشدته الرحم أن يكف، وقد علمت أن محمدا صلى الله عليه وسلم إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل عليكم العذاب، فقالوا له: ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: والله ما سمعت مثله، والله ما هو بالشعر» إلى آخر ما تقدم «فقالوا: والله سحرك يا أبا الوليد، قال: هذا رأيي فيكم، فاصنعوا ما بدا لكم» اهـ.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن قريشا: أي أشرافهم وشيختهم، منهم الأسود بن زمعة، والوليد بن المغيرة، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان، والنضر بن الحارث، وأبو جهل.
وفي الينبوع «أتى الوليد بن المغيرة في أربعين رجلا من الملأ: أي من السادات منزل أبي طالب وسألوه أن يحضر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمره بأشكائهم ما يشكون منه» أي أن يزيل شكواهم منه «ويجيبهم إلى أمر فيه الألفة والإصلاح، فأحضره وقال: يا ابن أخي هؤلاء الملأ من قومك فأشكهم وتألفهم، فعاتبوا النبي صلى الله عليه وسلم على تسفيه أحلامهم وأحلام آبائهم وعيب آلهتهم» الحديث: أي قالوا له «يا محمد إنا بعثنا