(٦)[الكافرون: الآية ٦] نسخ بآية القتال، وبقوله تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ [الزّمر: الآية ٦٤] بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦)[الزمر: الآية ٦٦] . ولما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل لما كرهتموه القرآن، قالوا ائت بقرآن غير هذا، فأنزل الله تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا [الحاقّة: الآية ٤٤] الآيات.
وقد يقال: المناسب للرد عليهم قوله تعالى قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي [يونس: الآية ١٥] الآية، ثم رأيت في الكشاف ما يوافق ذلك. وهو لما غاظهم ما في القرآن من ذم عبادة الأصنام والوعيد الشديد قالوا ائت بقرآن آخر ليس فيه ما يغيظنا من ذلك نتبعك، أو بدله بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة، وتسقط ذكر الآلهة وذم عبادتها، نزل قوله تعالى قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ [يونس: الآية ١٥] الآية.
قال «وجلس أي صلى الله عليه وسلم مجلسا فيه ناس من وجوه قريش منهم أبو جهل بن هشام وعتبة بني ربيعة، أي وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة، فقال لهم:
أليس حسنا ما جئت به؟ فيقولون بلى والله» وفي لفظ «هل ترون بما أقول بأسا؟
فيقولون لا، فجاء عبد الله ابن أم مكتوم- وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين، وهو ممن أسلم بمكة قديما- والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بأولئك القوم وقد رأى منهم مؤانسة وطمع في إسلامهم، فصار يقول: يا رسول الله علمني مما علمك الله وأكثر عليه، فشق عليه صلى الله عليه وسلم ذلك، فأعرض عن ابن أم مكتوم ولم يكلمه» انتهى.
أي وفي رواية «أشار صلى الله عليه وسلم إلى قائد ابن أم مكتوم بأن يكفه عنه حتى يفرغ من كلامه، فكفه القائد، فدفعه ابن أم مكتوم، فعبس صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه مقبلا على من كان يكلمه، فعاتبه الله تعالى في ذلك بقوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ [عبس: الآية ١- ٣] السورة» أي والمجيء مع العمى ينشأ عن مزيد الرغبة وتجشم الكلفة والمشقة في المجيء، ومن كان هذا شأنه فحقه الإقبال عليه لا الإعراض عنه «فكان بعد ذلك إذا جاءه يقول مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ويبسط له رداءه» قال: وبهذا يسقط ما للقاضي أبي بكر بن العربي هنا انتهى.
أقول: لعل الذي له هو ما ذكره تلميذه السهيلي، وهو أن ابن أم مكتوم لم يكن أسلم حينئذ، وإلا لم يسمه بالاسم المشتق من العمى دون الاسم المشتق من الإيمان لو كان دخل في الإيمان قبل ذلك، وإنما دخل فيه بعد نزول الآية، ويدل على ذلك قوله للنبي صلى الله عليه وسلم استدنني يا محمد، ولم يقل استدنني يا رسول الله، ولعل في قوله تعالى: لَعَلَّهُ يَزَّكَّى [عبس: الآية ٣] ، ما يعطى الترجي والانتظار، ولو كان إيمانه قد تقدم قبل هذا لخرج عن حد الترجي والانتظار للتزكي، هذا كلامه.
وعن الشعبي قال: دخل رجل على عائشة رضي الله تعالى عنها وعندها ابن أم مكتوم وهي تقطع له الأترج وتجعله في العسل وتطعمه، فقيل لها في ذلك، فقالت: