نبينا وعليه وسلم، فقال النجاشي: يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ما يزيدون على ما تقولون؛ أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل: أي ومعنى كونه روح الله أنه حاصل عن نفخة روح القدس الذي هو جبريل، ومعنى كونه كلمة الله تعالى أنه قال له كن فكان: أي حصل في حال القول.
وفي لفظ أن النجاشي قال لمن عنده من القسيسين والرهبان: أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيا مرسلا؟ أي صفته ما ذكر هؤلاء؛ فقالوا: اللهم نعم، قد بشرنا به عيسى، فقال: من آمن به فقد آمن بي، ومن كفر به فقد كفر بي؛ فعند ذلك قال النجاشي: والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته فأكون أنا الذي أحمل نعله وأوضئه: أي أغسل يديه، وقال للمسلمين:
أنزلوا حيث شئتم سيوم بأرضي: أي آمنون بها، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق، وقال: من نظر إلى هؤلاء الرهط نظرة تؤذيهم فقد عصاني.
وفي لفظ، ثم قال: اذهبوا فأنتم آمنون، من سبكم غرم، قالها ثلاثا: أي أربع دراهم وضعفها كما جاء في بعض الروايات، وأمر بهدية عمرو ورفيقه فردت عليهما.
وفي لفظ، أن النجاشي قال: ما أحب أن يكون لي ديرا من ذهب: أي جبلا وأن أوذي رجلا منكم، ردوا عليهم هداياهم فلا حاجة لي بها، فو الله ما أخذ الله تعالى مني الرشوة حين رد عليّ ملكي فآخذ الرشوة، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه.
وكان النجاشي أعلم النصارى بما أنزل على عيسى، وكان قيصر يرسل إليه علماء النصارى لتأخذ عنه العلم.
أي وقد بينت عائشة رضي الله تعالى عنها السبب في قول النجاشي: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي. وهو أن والد النجاشي كان ملكا للحبشة فقتلوه وولوا أخاه الذي هو عم النجاشي، فنشأ النجاشي في حجر عمه لبيبا حازما، وكان لعمه اثنا عشر ولدا لا يصلح واحد منهم للملك، فلما رأت الحبشة نجابة النجاشي خافوا أن يتولى عليهم فيقتلهم بقتلهم لأبيه، فمشوا لعمه في قتله، فأبى وأخرجه وباعه، ثم لما كان عشاء تلك الليلة مرت على عمه صاعقة فمات، فلما رأت الحبشة أن لا يصلح أمرها إلا النجاشي ذهبوا وجاؤوا من عند الذي اشتراه، وعقدوا له التاج، وملكوه عليهم، فسار فيهم سيرة حسنة.
وفي رواية: ما يقتضي أن الذي اشتراه رجل من العرب، وأنه ذهب به إلى بلاده ومكث عنده مدة، ثم لما مرج أمر الحبشة وضاق عليهم ما هم فيه خرجوا في طلبه وأتوا به من عند سيده، ويدل لذلك ما سيأتي عنه أنه عند وقعة بدر أرسل