صدرت، فجاء إليه ومسكه، فجعل يقول له: أرسلني وإلا أموت الساعة، فلم يرسله فمات من ساعته، وسيأتي بعد غزوة بدر أنهم أرسلوا للنجاشي عمرو بن العاص أيضا وعبد الله بن أبي ربيعة.
هذا وكان اسمه قبل أن يسلم بجيرا، فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، وأبو ربيعة الذي هو أبو عبد الله، كان يقال له ذو الرمحين، وأم عبد الله هي أم أبي جهل بن هشام، فهو أخو أبي جهل لأمه أرسلوهما إليه ليدفع لهما من عنده من المسلمين ليقتلوهم فيمن قتل ببدر.
ومن العجب أن صاحب المواهب ذكر أن إرسال قريش لعمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة ومعهما عمارة بن الوليد في الهجرة الأولى للحبشة، وإنما كان عمرو وعمارة في الهجرة الثانية، وابن أبي ربيعة إنما كان مع عمرو بعد بدر كما علمت، وإن كان يمكن أن يكون عبد الله بن أبي ربيعة أرسلته قريش مرتين إلا أنه بعيد.
ويرده قول بعضهم: إن قريشا أرسلت في أمر من هاجر إلى الحبشة مرتين:
الأولى أرسلت عمرو بن العاص وعمارة. والثانية أرسلت عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة فليتأمل.
ومكث بنو هاشم في الشعب ثلاث سنين. وقيل سنتين في أشد ما يكون في البلاء وضيق العيش، وولد عبد الله بن عباس في الشعب، فمن قريش من سره ذلك، ومنهم من ساءه وقالوا: انظروا ما أصاب كاتب الصحيفة: أي من شلل يده كما تقدم؛ وصار لا يقدر أحد أن يوصل إليهم طعاما ولا أدما حتى أن أبا جهل لقي حكيم بن حزام ومعه غلام يحمل قمحا يريد عمته خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي معه في الشعب؛ فتعلق به وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم، والله لا تذهب أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة، فقال له أبو البختري بن هشام: ما لك وما له؟ فقال أبو جهل: إنما يحمل الطعام لبني هاشم، فقال أبو البختري: طعام كان لعمته عنده أفتمنعه أن يأتيها؟ خل سبيل الرجل، فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه، فأخذ أبو البحتري لحى بعير: أي العظم الذي تنبت عليه الأسنان فضربه فشجه ووطئه وطئا شديدا. وأبو البختري- بالحاء المهملة- وفي مختصر أسد الغابة- بالخاء المعجمة- ممن قتل ببدر كافرا؛ وحتى أن هاشم بن عمرو بن الحارث العامري رضي الله تعالى عنه، فإنه أسلم بعد ذلك- أدخل عليهم في ليلة ثلاثة أجمال طعاما، فعملت بذلك قريش، فمشوا إليه حين أصبح وكلموه في ذلك، فقال: إني غير عائد لشيء خالفكم؛ ثم أدخل عليهم ثانيا جملا وقيل جملين، فعلمت به قريش فغالظته:
أي أغلظت له القول وهمت به، فقال أبو سفيان بن حرب: دعوه يصل رحمه، أما