أقول: هذه على الرواية الثانية، وأما على الرواية الأولى التي هي أثبت فيكون قوله لم تترك اسما إلا أثبتته ولحست مواثيقكم وعهدكم.
ثم رأيت ابن الجوزي ذكر ذلك، فقال: إن أبا طالب قال: إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قط أن الله تعالى قد سلط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة، فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله تعالى.
وفي الينبوع أن أبا طالب قال لما حضرت الصحيفة: إن صحيفتكم هذه صحيفة إثم وقطيعة رحم، وإن ابن أخي أخبرني أن الله تعالى سلط عليها الأرضة، فلم تدع ما كتبتم إلا باسمك اللهم، والله أعلم. قال أبو طالب: فإن كان الحديث كما يقول، فأفيقوا: أي وفي رواية نزعتم: أي رجعتم عن سوء رأيكم: أي وإن لم ترجعوا فو الله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم، فقالوا: قد رضينا بالذي تقول: أي وفي رواية أنصفتنا، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الأمر كما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب قالوا: أي قال أكثرهم: هذا سحر ابن أخيك، وزادهم ذلك بغيا وعدوانا، وبعضهم ندم وقال: هذا بغي منا على إخواننا وظلم لهم.
أي وقد جاء أن أبا طالب قال لهم أي بعد أن وجدوا الأمر كما أخبر به صلى الله عليه وسلم:
يا معشر قريش علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبين أنكم أولى بالظلم والقطيعة والإساءة؟ ودخلوا بين أستار الكعبة وقالوا: اللهم انصرنا على من ظلمنا، وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا، ثم انصرفوا إلى الشعب، وعند ذلك مشى طائفة منهم وهم خمسة في نقض الصحيفة: أي ما تضمنته، وهم: هشام بن عمرو بن الحارث، وزهير بن أمية ابن عمته صلى الله عليه وسلم عاتكة بنت عبد المطلب، وقد أسلم بعد ذلك كالذي قبله كما تقدم، والمطعم بن عدي مات كافرا كما تقدم. وأبو البختري بن هشام قتل ببدر كافرا. كما تقدم وزمعة بن الأسود قتل ببدر كافرا.
واختلف في كاتب الصحيفة، فعند ابن سعد أنه بغيض بن عامر فشلت يده، ولم يعرف له إسلام: وعند ابن إسحاق أن الكاتب لها هشام بن عمرو المتقدم ذكره.
قال: وقيل إن الكاتب لها منصور بن عكرمة: أي فشلت يده فيما يزعمون، كذا في النور نقلا عن سيرة ابن هشام. وقيل النضر بن الحارث، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت بعض أصابعه، وهو ممن قتل على كفره عنده منصرفه صلى الله عليه وسلم من بدر. وقيل الكاتب لها طلحة بن أبي طلحة العبدري. قال ابن كثير رحمه الله: