للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسود يدخن دخانا شديدا ثم يهبط حتى يغشى مدينتهم، فعند ذلك لبسوا المسوح، وأخرجوا المواشي، وفرقوا بين النساء وأولادها، وبين كل بهيمة وولدها، فلما أقبل عليهم العذاب جأروا إلى الله تعالى، وبكى الناس والولدان، ورغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وعجاجيلها، وثغت الغنم وسخالها، وقالوا: يا حيّ حيث لا حي، ويا حي يحيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت.

وعن الفضيل أنهم قالوا: اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت، وأنت أعظم منها وأجلّ، فافعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله.

وفي الكشاف أنهم عجوا أربعين ليلة، وعلم الله تعالى منهم الصدق فتاب عليهم، وصرف عنهم العذاب بعد أن صار بينه وبينهم قدر ميل، فمر رجل على يونس فقال له: ما فعل قوم يونس؟ فحدثه بما صنعوا، فقال: لا أرجع إلى قوم قد كذبتهم. قيل وكان في شرعهم أن من كذب قتل، فانطلق مغاضبا لقومه، وظن أن لن نقضي عليه بما قضى به عليه أي من الغم وضيق الصدر، قال تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [الأنبياء: الآية ٨٧] أي لن نضيق عليه، وكانت التوبة عليهم يوم عاشوراء وكان يوم الجمعة.

أي وفي كلام بعضهم كشف العذاب عن قوم يونس يوم عاشوراء، وأخرج فيه يونس من بطن الحوت، وهو يؤيد القول بأنه نبذ من يومه وهو قول الشعبي، التقمه ضحوة ونبذه عشية أي بعد العصر؛ وقاربت الشمس الغروب. وذكر أن الحوت لم يأكل ولم يشرب مدة بقاء يونس في بطنه لئلا يضيق عليه.

وقال السدي: مكث أربعين يوما. وقال جعفر الصادق: سبعة أيام. وقال قتادة: ثلاثة أيام؛ وذلك بعد أن نزل السفينة فلم تسر؛ فقال لهم: إن معكم عبدا آبقا من ربه وإنها لا تسير حتى تلقوه في البحر وأشار إلى نفسه؛ فقالوا: لا نلقيك يا نبيّ الله أبدا؛ قال: فاقترعوا فخرجت القرعة عليه ثلاث مرات؛ فألقوه فالتقمه الحوت.

وقيل قائل ذلك بعض الملاحين؛ وحين خرجت القرعة عليه ثلاثا ألقى نفسه في البحر؛ وهذا السياق يدل على أن رسالته كانت قبل أن يلتقمه الحوت: وقيل إنما أرسل بعد نبذ الحوت له؛ وفيه كيف يدعوهم ويعدهم العذاب وهو غير مرسل لهم.

وعن وهب بن منبه، وقد سئل عن يونس فقال: كان عبدا صالحا، وكان في خلقه ضيق، فلما حملت عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها فألقاها عنه وخرج هاربا، أي فقد تقدم أن للنبوة أثقالا لا يستطيع حملها إلا أولو العزم من الرسل، وهم نوح، وهود، وإبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم.

أما نوح فلقوله يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ [يونس: ٧١] الآية. وأما هود فلقوله إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>