نهار فأصدقه، فهذا أي مجيء الخبر له من السماء بواسطة الملك أبعد مما تعجبون منه أي وحينئذ يجوز أن يكون قول أبي بكر للمطعم ما تقدم كان بعد هذا القول: أي قاله بعد أن اجتمع به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغته مقالته، فلا مخالفة بين الروايتين، وإلى إسرائه صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وتحديثه قريشا بذلك أشار صاحب الهمزية بقوله:
حظي المسجد الحرام بممشا ... هـ ولم ينس حظه إيلياء
ثم وافى يحدث الناس شكرا ... إذ أتته من ربه النعماء
أي جميع المسجد الحرام حصل له الحظ الأوفر بممشاه صلى الله عليه وسلم فيه ففضل سائر البقاع، ولم ينس حظه من ممشاه صلى الله عليه وسلم بيت المقدس، بل شرفه الله تعالى بمشيه فيه أيضا، ففضل على ما عدا المسجدين: أي مسجد مكة ومسجد المدينة؛ ثم وافى صلى الله عليه وسلم مكة يحدث الناس لأجل قيامه بالشكر لله تعالى أو حال كونه شاكرا له تعالى وقت أو لأجل أن أتته من ربه النعماء في تلك الليلة.
ثم قال المطعم: يا محمد صف لنا بيت المقدس أراد بذلك اظهار كذبه. وقيل القائل له ذلك أبو بكر، قال له: صفه لي فإني قد جئته أراد بذلك إظهار صدقه صلى الله عليه وسلم لقوله «فقال: دخلته ليلا وخرجت منه ليلا، فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فصوّره في جناحه» أي جاء بصورته ومثاله في جناحه فجعل صلى الله عليه وسلم يقول باب منه كذا في موضع كذا، وباب منه كذا في موضع كذا وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يقول صدقت، أشهد أنك رسول الله حتى أتى على أوصافه» أي ومعلوم أن من ذهب بيت المقدس من قريش يصدق على ذلك أيضا.
وفي رواية «لما كذبتني قريش» أي وسألتني عن أشياء تتعلق ببيت المقدس لم أثبتها أي قالوا له كم للمسجد من باب؟ «فكربت كربا شديدا لم أكرب مثله قط، قمت في الحجر فجلى الله عز وجل لي بيت المقدس» أي وجلى بتشديد اللام وربما خففت: كشفه لي أي بوجود صورته ومثاله في جناح جبريل.
وفي رواية «فجيء بالمسجد» أي بصورته «وأنا أنظر إليه حتى وضع» أي بوضع محله الذي هو جناح جبريل، فلا مخالفة بين الروايات وهذا من باب التمثيل، ومنه رؤية الجنة والنار في عرض الحائط لا من باب طيّ المسافة وزوي الأرض، ورفع الحجب المانعة من الاستطراق، الذي ادعى الجلال السيوطي أنه أحسن ما يحمل عليه حديث «رفع بيت المقدس حتى رآه النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حال وصفه إياه لقريش صبيحة الإسراء» إذ ذلك لا يجامع مجيء صورته في جناح جبريل، وإنما قلنا إن ذلك من باب التمثيل لأن من المعلوم أن أهل بيت المقدس لم يفقدوه تلك الساعة