للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير ذات الله تعالى والله أعلم.

ثم لا يخفى أن أكثر العلماء على أن الإسراء إلى بيت المقدس ثم المعراج إلى السماء كانا في ليلة واحدة، أي وقيل كان الإسراء وحده في ليلة، ثم كان هو والمعراج في ليلة أخرى.

قال: وقد جاء «أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل إلى سماء الدنيا نظر إلى أسفل منه، فإذا هو برهج ودخان وأصوات، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم لا يتفكرون» أي وذلك مانع لهم من التفكر في ملكوت السموات والأرض أي لعدم نظرهم للعلامات الموصلة لذلك «لولا ذلك لرأوا العجائب» أي أدركوها.

«ثم ركب صلى الله عليه وسلم البراق منصرفا» أي بناء على أنه لم يعرج على البراق «فمرّ بعير لقريش» إلى آخر ما تقدم انتهى.

أقول: ذكر بعضهم أن مما نزل عليه صلى الله عليه وسلم بين السماء والأرض أي عند نزوله من السماء قوله تعالى وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) [الصّافات: الآية ١٦٤] الآيات الثلاث، وقوله تعالى وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا [الزّخرف: الآية ٤٥] الآية، والآيتان من آخر سورة البقرة، وتقدم أنهما نزلتا بقاب قوسين، والله أعلم.

واستدل على أن كلا من الإسراء والمعراج كان يقظة بجسده صلى الله عليه وسلم وروحه بقوله تعالى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء: الآية ١] لأن العبد حقيقة هو الروح والجسد قال تعالى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) [العلق: الآيتان ٩ و ١٠] وقال وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجنّ: الآية ١٩] ولو كان الإسراء مناما لقال بروح عبده، ولأن الدواب التي منها البراق لا تحمل الأرواح، وإنما تحمل الأجساد.

واستدل على أن الرؤية كانت بعين بصره صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) [النّجم: الآية ١٧] لأن وصف البصر بعدم الإزاغة يقتضي أن ذلك يقظة، ولو كانت الرؤية قلبية لقال ما زاغ قلبه.

أقول: فيه أن لقائل أن يقول: يجوز أن يكون المراد بالبصر بصر قلبه، لما تقدم أن الله تعالى خلق لقلبه بصرا، والله أعلم.

وقيل كان الإسراء بجسده، والمعراج بروحه الشريفة، أي بذاتها عرج بها حقيقة من غير إماتة للجسد، وكان حالها في ذلك أرقى منه كحالها بعد مفارقتها لجسدها بموته في صعودها في السموات حتى بين يدي الله تعالى، وهذا أمر فوق ما يراه النائم وغيره صلى الله عليه وسلم، لا تنال ذات روحه الصعود إلا بعد الموت لجسدها. قيل ومن ثم لم يشنع كفار قريش إلا أمر الإسراء دون المعراج.

<<  <  ج: ص:  >  >>