للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه صلى الله عليه وسلم واستأذنوه في الهجرة: أي فمكث أياما لا يأذن لهم، ثم قال لهم: أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان، ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي» والسراة بفتح السين: أعظم جبال بلاد العرب «ثم خرج إليهم مسرورا، فقال: قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب، فأذن لهم، وقال: من أراد أن يخرج فليخرج إليها فخرجوا إليها أرسالا» أي متتابعين «يخفون ذلك» أي وفي رواية «أريت في المنام أني هاجرت من مكة إلى أرض بها نخل؛ فذهب وهلي» أي وهمي «إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب» .

وفي الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله أوحى إليّ: أي هؤلاء الثلاثة نزلت هي دار هجرتك المدينة، أو البحرين، أو قنسرين» قال الترمذي، هذا حديث غريب، وزاد الحاكم «فاختار المدينة» .

أقول: فيه أن هذا السياق المتقدم يدل على أن استئذانهم في الهجرة عبارة عن خروجهم من مكة لا لخصوص المدينة، وأن عدم إذنه صلى الله عليه وسلم لهم في الهجرة لعدم تعيين المحل الذي يهاجرون إليه له صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك لا يناسب ما تقدم في حديث المعراج من قول جبريل له «صليت بطيبة وإليها المهاجرة» .

وقد يجاب بأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم أنسي قول جبريل المذكور حينئذ ثم تذكره بعد ذلك في قوله «قد أخبرت بدار هجرتكم» إلى آخره.

وفيه أن هذا لا يحسن بعد مبايعته صلى الله عليه وسلم للأوس والخزرج على مناصرته ومحاربة عدوّه مع علمه بأن وطنه المدينة، وكونهم يبايعونه على مناصرته مع كونه ساكنا في البحرين أو قنسرين في غاية البعد.

على أنه سيأتي في غزوة بدر «أنه صلى الله عليه وسلم خشي أن الأنصار لا ترى مناصرته إلا في المدينة» أي فإن في بعض الروايات «وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم بيثرب» والله أعلم.

وقبل الهجرة «آخي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين» أي المهاجرين «على الحق والمواساة، فآخى بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وآخى بين حمزة وزيد بن حارثة، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وابن مسعود، وبين عبادة بن الحارثة وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله، وبين عليّ ونفسه صلى الله عليه وسلم، وقال: أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال: بلى يا رسول الله رضيت، قال:

فأنت أخي في الدنيا والآخرة» قال: وأنكر العباس بن تيمية المؤاخاة بين المهاجرين سيما مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله تعالى عنه، قال: لأن المؤاخاة بين المهاجرين

<<  <  ج: ص:  >  >>