مسحت على شاة لدى أم معبد ... بجهد فألفتها أدرّ حلوبة
وإلى ذلك أشار صاحب الهمزية بقوله في وصف راحته الشريفة:
درت الشاة حين مرت عليها ... فلها ثروة بها ونماء
أي أرسلت الشاة لبنها حين مرت راحته الشريفة على تلك الشاة فلتلك الشاة بسبب تلك الراحة كثرة لبن وزيادة.
وعن أم معبد: أن هذه الشاة بقيت إلى خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى سنة ثماني عشرة، وقيل سبع عشرة من الهجرة، ويقال لتلك السنة عام الرمادة: أي وكانت تلك السنة أجدبت الأرض إجدابا شديدا، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس ويذبح الرجل الشاة فيعافها، أي لخبث لحمها، وكانت الريح إذا هبت ألقت ترابا كالرماد، فسمي ذلك العام عام الرمادة، وعند ذلك آلى عمر رضي الله تعالى عنه أن لا يذوق لبنا ولا سمنا ولا لحما حتى تحيا الناس: أي يجيء عليهم الحيا وهو المطر، وقال: كيف لا يعنيني شأن الرعية إذ لم يمسني ما مسهم، وهذا السياق يدل على أن الذي حلبه صلى الله عليه وسلم عند أم معبد شاة واحدة.
وفي تاريخ العيني شارح البخاري، قال يونس «عن ابن إسحاق أنه دعا ببعض غنمها فمسح ضرعها بيده ودعا الله وحلب في العس حتى أرغى، وقال اشربي يا أم معبد، فقالت اشرب اشرب فأنت أحق به فرده عليها فشربت ثم دعا بحائل أخرى، ففعل بها مثل ذلك فشربه، ثم دعا بحائل أخرى ففعل بها مثل ذلك، فسقى دليله، ثم دعا بحائل أخرى ففعل بها مثل ذلك فسقى عامر بن فهيرة، وطلبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغوا أم معبد، فسألوا عنه صلى الله عليه وسلم، ووصفوه لها، فقالت: ما أدري ما تقولون قد ضافني حالب الحائل، فقالوا: ذلك الذي نريده» .
وعند قول عمر رضي الله تعالى عنه ذلك، قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة الأنبياء، فقال عمر: هذا عم النبي صلى الله عليه وسلم، وصنو أبيه، وسيد بني هاشم يعني العباس، فمشى إليه عمر وشكا إليه ما فيه الناس، فصعد عمر المنبر ومعه العباس، وقال: اللهم إنا قد توجهنا إليك بعم نبينا وصنوا أبيه صلى الله عليه وسلم فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين؛ ثم قال عمر للعباس: يا أبا الفضل قم وادع، فقام وحمد الله وأثنى عليه ودعا بدعاء منه: اللهم شفعنا في أنفسنا وأهلينا. اللهم إنا نشكو إليك جوع كل جائع. اللهم إنا لا نرجو إلا إياك، ولا ندعو غيرك، ولا نرغب إلا إليك، فسقوا قبل أن يصلوا إلى منازلهم، وخاضوا في الماء وأخصبت الأرض، وعاش الناس، فقال عمر: هذا والله هو الوسيلة إلى الله تعالى، فصار الناس يتمسحون بالعباس ويقولون: هنيئا لك، سقينا في الحرمين.