وقد تبع الأصل في ذلك شيخه الحافظ الدمياطي حيث قدّم خبر سراقة على قصة أم معبد، إلا أن يقال الدمياطي لم يلتزم الترتيب فلا تحسن تبعيته، وهنا قصة أخرى فيها زيادة ونقص. قيل هي قصة أم معبد وقيل غيرها، «وهي أنه اجتاز صلى الله عليه وسلم بغنم فقال لراعيها لمن هذه؟ فقال لرجل من أسلم، فالتفت صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وقال:
سلمت إن شاء الله تعالى، ثم قال للراعي: ما اسمك؟ قال مسعود، فالتفت إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقال: سعدت إن شاء الله تعالى» .
وفي الإمتاع: ولقى بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه في ركب من قومه فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا: أي والحصيب بضم الحاء المهملة وفتح الصاد.
وفي الشرف «أن بريدة لما بلغه ما جعلته قريش لمن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم طمع في ذلك، فخرج هو في سبعين من أهل بيته. وفي لفظ كانوا نحو ثمانين بيتا، وحينئذ يراد ببيته قومه، فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال له: من أنت؟ قال: بريدة بن الحصيب، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم: قال يا أبا بكر برد أمرنا وصلح، قال: ممن أنت؟ قال: من أسلم من بني سهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم سلمنا وخرج سهمك يا أبا بكر» أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل ولا يتطير كما تقدم. ثم قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم من أنت؟ قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله، فقال بريدة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فأسلم بريدة وكل من كان معه: أي وصلوا خلفه صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم قال بريدة: يا رسول الله لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء، فحلّ بريدة عمامته، ثم شدها في رمح ثم مشى بين يديه: أي وقال له كما في الوفاء: تنزل على من يا نبي الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ناقتي هذه مأمورة، فقال بريدة: الحمد لله الذي أسلمت بنو سهم» يعني قومه «طائعين غير مكرهين» .
ولما سمع المسلمون بالمدينة بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة كانوا يغدون كل غداة إلى الحرة ينتظرونه حتى يردهم حرّ الظهيرة.
أقول: ولعلّ خروجهم كان في ثلاثة أيام، وهي المدة الزائدة على المسافة المعتادة بين مكة والمدينة التي كان بها في الغار، والله أعلم.
فانقلبوا يوما بعد أن طال انتظارهم أي وأحرقتهم الشمس، وإذا رجل من اليهود صعد على أطم: أي محل مرتفع من آطامهم أي من محالهم المرتفعة لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين: أي لأنهم لقوا الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا كما في البخاري.