للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل المراد إنكار صحة ذلك عنه صلى الله عليه وسلم فليتأمل.

وذكر الأحجار في الخبر يؤيد ظاهره ما ذكره إمامنا في الأم أن سنة الجمع بين الحجر والماء تتوقف على كون الاستنجاء بالحجر كافيا لو اقتصر عليه بقوله والاستنجاء بالحجر كاف، ولو أتى به: أي بالاستنجاء الكافي رجل ثم غسل بالماء كان أحب إليّ، وإنما قلنا ظاهره لإمكان رجوع الضمير للاستنجاء لا بقيد كونه كافيا.

والذي عليه متأخرو أصحابنا أن سنة الجمع يكتفي فيها بإزالة العين ولو بحجر واحد. وقد يقال هذا محبوب، وما ذكره الإمام أحب.

ولا يخفى أن حديث الأنصار يقتضي اختصاص سن الجمع بين الحجر والماء بالغائط، وبه قال القفال في كتابه «محاسن الشريعة» والمفهوم من نص الأم أن مثل الغائط البول، ثم بعد إقامته صلى الله عليه وسلم المدة المذكورة بقباء ركب راحلته الجدعاء، وقيل القصواء، وقيل العضباء. أي قاصدا المدينة. والجدعاء بالدال المهملة: المقطوعة الأنف أو مقطوعة الأذن كلها. والقصواء: المقطوع طرف أذنها. والعضباء: المشقوقة الأذن. قال بعضهم. وهذه ألقاب، ولم يكن بها: أي بتلك النوق شيء من ذلك، وسيأتي عن الأصل أن هذه ألقاب لناقة واحدة.

ولما ركب صلى الله عليه وسلم وخرج من قباء وسار سار الناس معه ما بين ماش وراكب أي ولازال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة شحا: أي حرصا على كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له حتى دخل المدينة. قال: وصار الخدم والصبيان يقولون: الله أكبر، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء محمد صلى الله عليه وسلم، ولعبت الحبشة بحرابها فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قالت بنو عمرو بن عوف له صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله أخرجت ملالا لنا، أم تريد دارا خيرا من دارنا؟ قال إني أمرت بقرية تأكل القرى» أي تغلبها وتقهرها، والمراد أهلها: أي أن أهلها تفتح القرى فيأكلون أموال أهل تلك القرى، ويسبون ذراريهم فخلوا سبيلها، يعني ناقته صلى الله عليه وسلم، أي ومن أسماء تلك القرية المدينة.

وروى الشيخان «أمرت بقرية تأكل القرى يثرب وهي المدينة» فالمدينة علم بالغلبة على تلك القرية كالنجم للثريا إذا أطلق فهي المرادة، وإن أريد غيرها قيد، والنسبة إليها مدني، ولغيرها من المدن مديني للفرق بينهما. ويثرب: اسم محل فيها سميت كلها به، ولعل ذلك المحل سمي بذلك لأنه نزل به يثرب من نسل نوح.

وفي الحديث «المدينة تنفي الناس» أي شرارهم «كما ينفي الكبير خبث الحديد» .

ففي بعض الروايات «لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها» قيل وكان ذلك في حياته صلى الله عليه وسلم. وقيل يكون ذلك في زمن الدجال، فقد جاء أن الدجال يرجف بأهلها

<<  <  ج: ص:  >  >>