واعلم أن خصوص البقعة والمحلة من محلات بني النجار التي ينزل بها من دارهم ما تبرك به الناقة. وفيه أنه يبعد مع ذلك، أي مع قوله المذكور أي أنه ينزل على بني النجار سؤال غير بني النجار في النزول عنده، إلا أن يقال لعل السائلين له صلى الله عليه وسلم في ذلك لم يبلغهم قوله المذكور، أو جوزوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا له في ذلك رأي، وقد أشار إلى نزوله صلى الله عليه وسلم على بني النجار الإمام السبكي في تائيته بقوله:
نزلت على قوم بأيمن طائر ... لأنك ميمون السنا والنقيبة
فيا لبني النجار من شرف به ... يجرون أذيال المعالي الشريفة
وهذا السياق يدل على أن تنازع القوم، وقوله لهم المذكور كان في آخر ليلة، وهو في قباء، وهو يرد قول بعضهم: يشبه أن يكون ذلك في أول قدومه صلى الله عليه وسلم من مكة قبل نزوله قباء، لا في قدومه باطن المدينة. فالمراد بأهل المدينة أهل قباء.
ويرد قول سبط ابن الجوزي لعله نزل على بني النجار ليلة انتهى: أي تلك الليلة ثم ارتحل إلى بني عمرو بن عوف أي في قباء. هذا وفي رواية عن أنس بن مالك رضي الله عنه «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى ملأ من بني النجار فجاؤوا متقلدين سيوفهم. قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر رديفه وملأ من بني النجار حوله حتى أناخ بفناء أبي أيوب» وهذه الرواية وقع فيها اختصار كبير.
ويقال «إنه صلى الله عليه وسلم عرّج على عبد الله بن أبي ابن سلول وكان جالسا محتبيا وأراد النزول عليه، فقال له اذهب إلى الذين دعوك وأنزل عليهم، فقال له سعد بن عبادة:
يا رسول الله لا تجد في نفسك من قوله، فقد قدمت علينا والخزرج تريد أن تملكه» وقد وقع له في بعض الأيام «أنه صلى الله عليه وسلم، قيل له: يا رسول الله لو أتيت عبد الله بن أبي ابن سلول» أي متألفا له ليكون ذلك سببا لإسلام من تخلف من قومه، وليزول ما عنده من النفاق «فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم وركب حمارا وانطلق المسلمون يمشون معه، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد، والأيدي والنعال، فنزل وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما [الحجرات:
الآية ٩] كذا في البخاري.
وفيه أيضا «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على ابن أبي ابن سلول وهو في جماعة فقال