وفيه أن أسماء إنما قدمت المدينة: أي إلى قباء بعد تحوله صلى الله عليه وسلم من قباء، ويدل له قول بعضهم: قدم آل أبي بكر من مكة وهو صلى الله عليه وسلم يا بني مسجده، وأنزلهم أبو بكر في السنح، إلا أن يقال: يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم جاء إلى قباء بعد ذلك فقد قال بعضهم: وهذا السياق يدل على أن عبد الله بن الزبير ولد في السنة الأولى لا في الثانية كما قاله الواحدي وتبعه غيره، فقال: ولد بعد عشرين شهرا من الهجرة ففرح به المسلمون فرحا شديدا، لأن اليهود كانوا يقولون قد سحرناهم فلا يولد لهم مولود، وهذا ربما يؤيد القول الثاني، إلا أن يقال: يجوز أن يكون عبد الله مكث في بطنها المدة المذكورة.
فقد ذكر أن مالكا رضي الله تعالى عنه مكث في بطن أمه سنتين، وكذا الضحاك بن مزاحم التابعي مكث في بطن أمه سنتين. وفي المحاضرات للجلال السيوطي أن مالكا مكث في بطن أمه ثلاث سنين، وأخبر سيدنا مالك أن جارة له ولدت ثلاثة أولاد في اثنتي عشرة سنة بحمل أربع سنين، وحينئذ يجوز أن تكون سيدتنا أسماء جاءت إلى قباء فولدت سيدنا عبد الله، وصادف مجيئه صلى الله عليه وسلم إلى قباء في ذلك اليوم، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وكناه أبا بكر بكنية جده الصديق رضي الله تعالى عنه.
وروي «أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أمره والده الزبير بذلك فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه» وكون آل أبي بكر نزلوا عند مجيئهم المدينة في السنخ لا ينافي كون أسماء نزلت بقباء وولدت بها لأنه يجوز أن يكون نزول أسماء في السنح بعد نزولها في قباء، قصدا لراحتها لكونها كانت حاملا حتى وضعت، والسياق المتقدم يدل على ذلك، وكون عبد الله بن الزبير أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة كذلك عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أول مولود ولد للمهاجرين بالحبشة، ويقال له عبد الله الجواد.
واتفق أن النجاشي ولد له مولود يوم عبد الله هذا، فأرسل إلى جعفر يقول له:
كيف سميت ابنك، فقال: سميته عبد الله، فسمى النجاشي ابنه عبد الله وأرضعته أسماء بنت عميس مع ابنها عبد الله المذكور، فكانا يتراسلان بتلك الأخوة من الرضاع.
وأوّل مولود ولد للأنصار بعد الهجرة مسلمة بن مخلد، وقيل النعمان بن بشير.
وذكر أن أم أسماء قدمت المدينة وهي مشركة على أسماء بهدية، فحجبتها أسماء وردت عليها هديتها، فسألت عائشة رضي الله تعالى عنها صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأمر أسماء أن تؤوي أمها وتقبل هديتها.