الحمار: أي نهقوا عشرة أصوات في طلق واحد قبل أن يدخلوها، وكانوا يزعمون أن ذلك يمنعهم من الوباء.
ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وجد أهلها من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١)[المطفّفين: الآية ١] الآية فأحسنوا الكيل بعد ذلك.
ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وأصحابه أصابت أصحابه بالحمى. وفي لفظ: استوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق أمزجتهم، فمرض كثير منهم وضعفوا، حتى كانوا يصلون من قعود، فرآهم صلى الله عليه وسلم، فقال:«اعلموا: أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، فتجشموا المشقة وصلوا قياما» .
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها «قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، ولما حصلت لها الحمى قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي أراك هكذا؟ قالت: بأبي أنت وأمي هذه الحمى وسبتها، فقال: لا تسبيها فإنها مأمورة، ولكن إن شئت علمتك كلمات إذا قلتهن أذهبها الله تعالى عنك، قالت: فعلمني، قال، قولي: اللهم ارحم جلدي الرقيق وعظمي الدقيق، من شدة الحريق؛ يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله العظيم فلا تصدعي الرأس، ولا تنتني الفم، ولا تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، وتحولي عني إلى من اتخذ مع الله إلها آخر، فقالتها، فذهبت عنها» .
وعن علي رضي الله تعالى عنه «لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فأصابنا بها وعك» : أي حمى، ومن جملة من أصابته الحمى سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه ومولياه عامر بن فهيرة وبلال: أي وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى أنشد:
كل امرىء مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
أي وهذا من شعر حنظلة بن يسار، بناء على الصحيح أن الرجز يقال له شعر كما تقدم؛ وليس من شعر أبي بكر.
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن أبا بكر لم يقل شعرا في الإسلام، أي ولا في الجاهلية كما في رواية عنها: والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا في الإسلام: أي لم ينشئه حتى مات، أي وهذا ربما ينافي ما في الينبوع: ليس عمل الشعر رذيلة، قد كان الصديق وعمر وعلي رضوان الله تعالى عليهم يقولون الشعر، وعليّ كرم الله وجهه أشعر من أبي بكر وعمر. وما تقدم عن عائشة معارض بظاهر ما روي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
أمين مصطفى بالخير يدعو ... كضوء البدر زايله الظلام
إلا أن يحمل قولها على أنها لم تسمع ذلك منه بناء على أن ذلك من إنشاء