للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عائشة استأذنته في ذلك وذكرت له حالهم قبل دخوله بها لأنها كانت معقودا عليها، ولعل الصديق كان في غير بيت أم عائشة.

والذي في تاريخ الأزرقي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت «لما قدم المهاجرون المدينة شكوا بها، فعاد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه، فقال:

كيف تجدك؟ فأنشده ما تقدم، ثم دخل على بلال فقال: كيف تجدك يا بلال؟

فأنشده ما تقدم، ثم دخل على عامر بن فهيرة فقال: كيف تجدك يا عامر؟ فأنشده ما تقدم» ولا مانع من التعدد فليتأمل.

وحين ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها له ذلك نظر إلى السماء، أي لأنها قبلة الدعاء وقال «اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد» وفي رواية «وأشدّ وبارك لنا في مدّها وصاعها، وصححها لنا ثم انقل وباءها إلى مهيعة» أي الجحفة كما في رواية. وهي قرية قريبة من رابع محل إحرام من يجيء من جهة مصر حاجا، وكان سكانها إذ ذاك يهود. ودعاؤه صلى الله عليه وسلم أن يحبب إليهم المدينة إنما هو لما جبلت عليه النفوس من حبّ الوطن والحنين إليه، ومن ثم جاء في حديث «أن عائشة رضي الله تعالى عنها سألت رجلا بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة من مكة، فقالت له: كيف تركت مكة؟ فذكر من أوصافها الحسنة ما غرغرت منه عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «لا تشوقنا يا فلان» وفي رواية «دع القلوب تقر» .

أقول: ودعاؤه صلى الله عليه وسلم بنقل الحمى كان في آخر الأمر، وأما عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة فخير بين الطاعون والحمى: أي بقائها، فأمسك الحمى بالمدينة وأرسل الطاعون إلى الشام كما جاء في بعض الأحاديث «أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام» وقولنا أي بقائها ردّ لما قد يتوهم من الحديث أن الحمى لم تكن بالمدينة قبل قدومه صلى الله عليه وسلم إليها، وإنما اختار الحمى على الطاعون لأنه كان حينئذ في قلة من أصحابه، فاختار بقاء الحمى لقلة الموت بها غالبا بخلاف الطاعون. ثم لما أحتاج للجهاد وأذن له في القتال ووجد الحمى تضعف أجساد الذين يقاتلون دعا بنقل الحمى من المدينة إلى الجحفة، فعادت المدينة أصح بلاد الله تعالى بعد أن كانت بخلاف ذلك، كذا قيل فليتأمل.

فإنه يقتضي أن الحمى لما نقلت إلى الجحفة لم يبق منها بقية بالمدينة، وهو الموافق لما يأتي عن الخصائص، وحين نقلت الحمى إلى الجحفة صارت الجحفة لا يدخلها أحد إلا حم، بل قيل إذا مر بها الطائر حم.

واستشكل حينئذ جعلها ميقاتا للإحرام، وقد علم من قواعد الشرع أنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر بما فيه ضرر.

<<  <  ج: ص:  >  >>