«ألا أخبرك بأشقى الناس أجمعين: عاقر الناقة والذي يضربك على هذا ووضع يده على قرن رأسه، فيخضب هذه ووضع يده على لحيته» وفي رواية «أشقى الأولين عاقر ناقة صالح، وأشقى الآخرين قاتلك» . وفي رواية «أنه صلى الله عليه وسلم قال يوما لعليّ كرم الله وجهه من أشقى من الأولين؟ فقال عليّ: الذي عقر الناقة يا رسول الله قال: فمن أشقى الآخرين؟ قال عليّ: لا علم لي يا رسول الله قال: الذي يضربك على هذه وأشار إلى يافوخه» وكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فهو من أعلام نبوته.
فإنه لما كان شهر رمضان سنة أربعين صار يفطر ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر، لا يزيد في أكله على ثلاث لقم ويقول: أحب أن ألقى الله وأنا خميص، فما كانت الليلة التي ضرب صبيحتها أكثر الخروج والنظر إلى السماء، وجعل يقول: والله إنها الليلة التي وعدت، فلما كان وقت السحر وأذن المؤذن بالصلاة خرج إلى المسجد فأقبل الأوز الذي في داره يصحن في وجهه فمنعهن بعض نساء أهل بيته، فقال: دعوهن فإنهن نوائح، فلما دخل المسجد أقبل ينادي «الصلاة الصلاة» فشد عليه عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله من طائفة الخوارج، فضربه الضربة التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم، وعند ذلك شد عليه الناس من كل جانب فطرح عليه رجل قطيفة ثم طنبوه وأخذ السيف منه، وقالوا له: يا أمير المؤمنين خلّ بيننا وبين مراد، يعنون قبيلة الرجل الذي ضربه، فقال: لا، ولكن احبسوا الرجل، فإن أنا مت فاقتلوه، وإن أعش فالجروح قصاص. فحبس.
فلما مات رضي الله تعالى عنه غسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، ومحمد ابن الحنفية يصب الماء، وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة، وصلى عليه الحسن وكبر عليه سبعا، ودفن ليلا؛ قيل بدار الإمارة بالكوفة، وقيل بغير ذلك، وأخفي قبره لئلا تنبشه الخوارج. وقيل حملوه على بعير ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هم في مسيرهم ليلا إذ ندّ البعير الذي عليه فلم يدر أين ذهب.
ومن الناس من يزعم أنه انتقل إلى السماء، وأنه الآن في السحاب.
ولما أصيب كرم الله وجهه دعا الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما فقال لهما: أوصيكما بتقوى الله، ولا تبغيا الدنيا، ولا تبكيا على شيء زوى منها عنكما، وقولا الحق فلا تأخذكما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى ولده محمد ابن الحنفية فقال: هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟ فقال نعم، فقال: أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك، ولا ترينّ أمرا دونهما، ثم قال: أوصيكما به فإنه أخوكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أباكما كان يحبه، ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله إلى أن قبض، فلما قبض أخرج الحسن رضي الله تعالى عنه ابن ملجم من الحبس وقتله.