المهملة، أي لينا كثير التراب تسيخ فيه الأقدام، فبعث الله السماء» أي المطر «فأطفأت الغبار» ، ولبدت الأرض» أي شدتها للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، أي وطهرهم به وأذهب عنهم رجز الشيطان» أي وسوسته «وشربوا منه وملؤوا الأسقية وسقوا الركائب، واغتسلوا من الجنابة، أي وطابت نفوسهم، فذلك قوله تعالى وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: الآية ١١] أي من الأحداث وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ [الأنفال: الآية ١١] أي وسوسته وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ [الأنفال: الآية ١١] أي يشدّها ويقويها وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ [الأنفال: الآية ١١] أي بتلبيد الأرض حتى لا تسوخ في الرمل «وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا منه أي ويصلوا إلى الماء» أي فكان المطر نعمة وقوة للمؤمنين وبلاء ونقمة للمشركين.
وعن علي رضي الله تعالى عنه «أصابنا من الليل طس من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والجحف نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه» .
وعن عليّ رضي الله تعالى عنه «ما كان فينا أي تلك الليلة قائم إلا رسول الله يصلي تحت شجرة ويكثر في سجوده أن يقول، يا حي يا قيوم يكرر ذلك حتى أصبح أي لأن المسلمين أصابهم تلك الليلة نعاس شديد يلقي الشخص على جنبه» .
أي وعن قتادة «كان النعاس أمنة من الله، وكان النعاس نعاسين، نعاس يوم بدر، ونعاس يوم أحد» لأن النعاس هنا كان ليلا قبل القتال؛ وفي أحد كان وقت القتال، وكون النعاس أمنة وقت القتال أو وقت التأهب له وهو وقت المصافة واضح لا قبله.
هذا وذكر الشمس الشامي أنه لما نزلت الملائكة والناس بعد على مصافهم لم يحملوا على عدوهم، وبشرهم صلى الله عليه وسلم بنزول الملائكة حصل لهم الطمأنينة والسكينة، وقد حصل لهم النعاس الذي هو دليل على الطمأنينة، وربما يقتضي أنه حصل لهم النعاس عند المصافة، وإلا فقد يقال إن قوله وقد حصل لهم النعاس جملة حالية، أي والحال أنه حصل لهم قبل ذلك في تلك الليلة؛ لا في وقت المصافة.
ولا يبعد ذلك قوله بعد ذلك: ولهذا قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه:
النعاس في المصاف من الإيمان والنعاس في الصلاة من النفاق، أي لأنه في الأول يدل على ثبات الجنان، وفي الثاني يدل على عدم الاهتمام بأمر الصلاة.
«فلما أن طلع الفجر نادى صلى الله عليه وسلم الصلاة عباد الله، فجاء الناس من تحت الشجر والحجف، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرض على القتال» أي في خطبة خطبها «فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد فإني أحثكم على ما حثكم الله عليه، إلى أن قال: وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله تعالى به الهمّ وينجي به من الغم» الحديث.