للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبكيان، فقال يا رسول الله: ما يبكيكما؟» وفي لفظ «ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كاد لمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب» .

وفي مسلم والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما «أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء» أي للعذاب الذي كاد أن يقع على أصحابك لأجل أخذهم الفداء: أي إرادة أخذه «لقد عرض عليّ عقابهم أدنى» أي أقرب «من هذه الشجرة» لشجرة قريبة منه صلى الله عليه وسلم «وأنزل الله تعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) [الأنفال: الآية ٦٧، ٦٨] الآيات» .

أقول: قال بعضهم: في هذه الآيات دليل على أنه يجوز الاجتهاد للأنبياء، لأن العتاب الذي في الآيات لا يكون فيما صدر عن وحي ولا يكون فيما كان صوابا، وإذا أخطؤوا لا يتركون عليه بل ينبهون على الصواب.

وأجاب ابن السبكي رحمه الله بأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم، أي ما كان هذا لنبي غيرك ولا يخفى عليك ما فيه.

وفي كلام بعضهم ما يقتضي أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير نبينا صلى الله عليه وسلم يجوز أن يقروا على الخطأ لأن من بعد من يخطىء منهم يبين خطأه بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده يبين خطأه فلا يقر على الخطأ. وفيه أن بعد نبينا عليه الصلاة والسلام عيسى عليه الصلاة والسلام أنه يوحى إليه.

ونظر بعضهم في وقوع الخطأ من الأنبياء واستمرارهم عليه بأنه غير لائق بمنصب النبوة، لأن وجود من يستدرك الخطأ لا يدفع مقتضيه.

وفيه جواز وقوع الخطأ والعمل به قبل مجيء الاستدراك، وتقدم جواز الاجتهاد له مطلقا لا في خصوص الحرب، واستثناء عمر ربما يفيد أن جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وافقوا أبا بكر على أخذ الفداء، وخالفوا عمر مع أنه تقدم قريبا أن سعد بن معاذ كره ذلك قبل عمر، فقد تقدم أن المسلمين لما وضعوا أيديهم يأسرون رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فوجد في وجهه الكراهية لما يصنع القوم.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم، قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله تعالى بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال، ومن ثم قال «لو نزل عذاب لم يفلت منه إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ» كما سيأتي. وفيه أن ابن رواحة كرهه بل أشار بإحراقهم بالنار.

<<  <  ج: ص:  >  >>