قوله فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ [المائدة: الآية ٥٦] فجمعهم صلى الله عليه وسلم وقال لهم «يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة» أي ببدر «وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله تعالى إليكم، قالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك أي تظننا أنا مثل قومك، ولا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة، إنا والله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس» وفي لفظ «لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا» أي لأنهم كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالا وأشدهم بغيا، فأنزل الله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ [آل عمران: الآية ١٢] الآية، أي وأنزل الله وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ [الأنفال: الآية ٥٨] الآية فتحصنوا في حصونهم، فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولواؤه وكان أبيض بيد عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه.
قال ابن سعد: ولم تكن الرايات يومئذ.
وقد قدّمنا أن هذا يرده ما تقدم في ضمن غزاة بدر من أنه كان أمامه رايتان سوداوتان إحداهما مع علي ويقال لها العقاب، ولعلها سميت بذلك في مقابلة الراية التي كانت في الجاهلية تسمى بهذا الاسم، ويقال لها راية الرؤساء، لأنه كان لا يحملها في الحرب إلا رئيس، وكانت في زمنه صلى الله عليه وسلم مختصة بأبي سفيان رضي الله عنه، لا يحملها في الحرب إلا هو أو رئيس مثله إذا غاب كما في يوم بدر.
والأخرى مع بعض الأنصار، وسيأتي في خيبر أن العقاب كان قطعة من برد لعائشة رضي الله عنها.
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة، وحاصرهم خمس عشرة ليلة أشد الحصار، لأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان في نصف شوّال، واستمر إلى هلال ذي القعدة الحرام، فقذف الله في قلوبهم الرعب وكانوا أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيلهم، وأن يجلوا من المدينة: أي يخرجوا منها، وأن لهم نساءهم والذرية وله صلى الله عليه وسلم الأموال، أي ومنها الحلقة التي هي السلاح. والظاهر من كلامهم أنه لم يكن لهم نخيل ولا أرض تزرع، وخمست أموالهم أي مع كونها فيئا له صلى الله عليه وسلم لأنها لم تحصل بقتال ولا جلوا عنها قبل التقاء الصفين، فكان له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الأربعة الأخماس.
أقول: ولا يخفى أن من جملة أموالهم دورهم، ولم أقف على نقل صريح دال على ما فعل بها، وعلم أنه صلى الله عليه وسلم جعل هذا الفيء كالغنيمة. ومذهبنا معاشر الشافعية أن الفيء المقابل للغنيمة كالواقع في هذه الغزوة وغزوة بني النضير الآتية كان في زمنه صلى الله عليه وسلم يقسم خمسة أقسام، له صلى الله عليه وسلم أربعة منها، والقسم الخامس يقسم خمسة أقسام له صلى الله عليه وسلم منها قسم، فيكون له أربعة أخماس وخمس الخمس والأربعة الأخماس الباقية من الخمس، منها واحد لذوي القربى، وآخر لليتامى، وآخر للمساكين، وآخر لابن