للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، وأدلج رسول الله في السحر فحانت صلاة الصبح بالشوط» حائط بين المدينة وأحد، ومن ذلك المكان رجع عبد الله بن أبي ابن سلول ومن معه من أهل النفاق وهم ثلاثمائة رجل، وهو يقول: عصاني وأطاع الولدان ومن لا أرى له علما ما ندري علام نقتل أنفسنا؟ ارجعوا أيها الناس فرجعوا، فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام وهو والد جابر رضي الله عنهما، وكان في الخزرج كعبد الله بن أبي يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا بضم الذال المعجمة: قومكم ونبيكم: أي تتركوا نصرتهم وإعانتهم عندما حضر من عدوهم، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكن لا نرى أنه يكون قتالا وأبوا إلا الانصراف، فقال لهم: أبعدكم الله أي أهلككم الله أعداء الله، فسيغني الله تعالى عنكم نبيه. وفيه أن قوله المذكور يخالف قوله علام نقتل أنفسنا، إلا أن يقال على فرض أنه يقع قتالا، علام نقتل أنفسنا.

فلما رجع عبد الله بن أبي ابن سلول بمن معه، قالت طائفة: نقتلهم، وقالت طائفة أخرى: لا نقتلهم وهما أن يقتتلا، والطائفتان هما بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج، فأنزل الله تعالى فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ [النّساء:

الآية ٨٨] أي ردهم إلى كفرهم بما كسبوا.

وفي كلام سبط ابن الجوزي: ولما رأى بنو سلمة وبنو حارثة عبد الله بن أبي قد خذل، هموا بالانصراف وكانوا جناحين من العسكر ثم عصمهما الله، وأنزل قوله تعالى إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [آل عمران: الآية ١٢٢] الآية فبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعمائة رجل.

ومن هذا يعلم ما في المواهب من قوله: ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالانصراف لكفرهم، بمكان يقال له الشوط، لأن الذين ردهم صلى الله عليه وسلم لكفرهم حلفاء عبد الله بن أبيّ ابن سلول من يهود، وكان رجوعهم قبل الشوط. والذين رجع بهم عبد الله كانوا منافقين، ورجوعه بهم كان من الشوط، ولم يكن مع المسلمين يومئذ إلا فرسان:

فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرس لأبي بردة. وقيل لم يكن معهم فرس، أي وهذا القيل نقله في «فتح الباري» عن موسى بن عقبة وأقرّه. وقالت الأنصار أي لما رجع ابن أبي: يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود: أي يهود المدينة، ولعلهم عنوا بهم بني قريظة، لأن بني قريظة من حلفاء سعد بن معاذ وهو سيد الأوس.

قال بعضهم: كان في الأنصار كأبي بكر في المهاجرين، فقال صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لنا فيهم.

أقول: وحينئذ يكون المراد قالت طائفة من الأنصار وهم الأوس ولم يكونوا سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم «إنا لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك» والله أعلم.

وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: من يخرج بنا على القوم من كثيب: أي من طريق قريب

<<  <  ج: ص:  >  >>