للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه أنه سيأتي عن الأصل: وقتل من كفار قريش يوم أحد ثلاثة وعشرين رجلا، وأكب حمزة عليه ليأخذ درعه. قال وحشي غلام جبير بن مطعم: إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه يهد بالدال المهملة: يهدم وبالدال المعجمة: يقطع. أي وقد عثر حمزة، فانكشف الدرع عن بطنه فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنيته بالمثلثة: وهو موضع تحت السرة وفوق العانة. وفي لفظ:

فندرته حتى خرجت من بين رجليه، فأقبل نحوي فغلب فوقع، فأمهلته حتى إذا مات جئته فأخذت حربتي، ثم تنحيت إلى العسكر، ولم يكن لي في شيء حاجة غيره.

أي وفي لفظ آخر: كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين وهو يقول: أنا أسد الله، فبينا هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره، فانكشفت الدرع عن بطنه، فطعنه وحشي الحبشي بحربته.

ثم لما قتل أصحاب لواء المشركين واحدا بعد واحد، ولم يقدر أحد يدنو منه، انهزم المشركون وولوا لا يلوون على شيء، ونساؤهم يدعون بالويل بعد فرحهم وضربهم بالدفوف وألقين الدفوف، وقصدن الجبل كاشفات سيقانهن يرفعن ثيابهنّ، وتبع المسلمون المشركين يضعون فيهم السلاح وينتهبون الغنائم، ففارقت الرماة محلهم الذي أمرهم صلى الله عليه وسلم أن لا يفارقوه، ونهاهم أميرهم عبد الله بن جبير، فقالوا له:

انهزم المشركون فما مقامنا هاهنا؟ وانطلقوا ينتهبون. وثبت عبد الله بن جبير مكانه وثبت معه دون العشرة وقال: لا أجاوز أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل من الرماة وقلة من به منهم، فكرّ بالخيل ومعه عكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك، فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم مع أميرهم عبد الله بن جبير أي ومثلوا به. ومن كثرة طعنه بالرماح خرجت حشوته وأحاطوا بالمسلمين. فبينما المسلمون قد شغلوا بالنهب والأسر، إذ دخلت خيول المشركين تنادي فرسانها بشعارها: يا للعزى يا لهبل، ووضعوا السيوف في المسلمين وهم آمنون. وتفرقت المسلمون في كل وجه وتركوا ما انتهبوا، وخلوا من أسروا، وانتقضت صفوف المسلمين، واختلط المسلمون وصار يضرب بعضهم بعضا من غير شعار: أي من غير أن يأتوا بما كانوا ينادون به في الحرب يتعارفون به في ظلمة الليل، وعند الاختلاط وهو: أمت أمت مما أصابهم من الدهش والحيرة، ولم يزل لواء المشركين ملقى حتى أخذته عمرة بنت علقمة ورفعته لهم، فلاثوا، أي بالمثلثة: استداروا به واجتمعوا عنده، ونادى ابن قمئة بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة أن محمدا قد قتل. وقيل المنادي بذلك إبليس: أي متمثلا بصورة جعال أو جعيل بن سراقة، وكان رجلا صالحا ممن أسلم قديما، وكان من أهل الصفة. قيل وهو الذي غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه يوم الخندق وسماه عمرا كما سيأتي،

<<  <  ج: ص:  >  >>