لعلك شربته، قلت نعم، قال: ويل للناس منك وويل لك من الناس» وكان بسبب ذلك على غاية من الشجاعة.
ولما وفد أخوه شقيقه عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة من المدينة على عبد الملك بن مروان قال له يوما: أريد أن تعطيني سيف أخي عبد الله، فقال له عبد الملك: هو بين السيوف ولا أميزه، فقال له عروة: إذا حضرت السيوف ميزته أنا، فأمر عبد الملك بإحضارها، فلما أحضرت أخذ منها سيفا مفلل الحد، وقال هذا سيف أخي، فقال له عبد الملك: كنت تعرفه قبل الآن؟ قال لا، فقال كيف عرفته؟
قال بقول النابغة الذبياني:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب
وأخذ من ذلك بعض أئمتنا طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم، حيث لم يأمره بغسل فمه، ولم يغسل هو فمه، وأن شربه جائز حيث أقر على شربه.
وما أورده في الاستيعاب أن رجلا من الصحابة اسمه سالم حجمه صلى الله عليه وسلم ثم ازدرد دمه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أما علمت أن الدم كله حرام» أي شربه غير صحيح، فقد قال بعضهم هو حديث لا يعرف له إسناد فلا يعارض ما قبله. على أنه يمكن أن يكون ذلك سابقا على إقراره على ذلك والله أعلم.
ونزع أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجراح رضي الله تعالى عنه إحدى الحلقتين من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنية أبي عبيدة، ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى.
وقيل الذي نزعهما عقبة بن وهب بن كلدة. وقيل طلحة بن عبيد الله، ولعل الثلاثة عالجوا إخراجها، وكان أشدّهم لذلك أبو عبيدة رضي الله عنه.
قال بعضهم: ولما سقط مقدم أسنان أبي عبيدة صار أهتم ولم ير قط أهتم أحسن من أبي عبيدة، لأن ذلك الهتم حسن فاه.
وكان أوّل من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة، وقول القائل قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك. قال: عرفت عينيه تزهران، أي تضيئان وتتوقدان من تحت المغفر، وهو ما يجعل على الرأس من الزرد، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليّ أن أنصت.
وعن بعض الصحابة قال: لما صرخ الشيطان قتل محمد لم نشك في أنه حق، وما زلنا كذلك حتى طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعدين فعرفناه بكتفيه إذا مشى، ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب فيهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير والحارث بن الصمة رضي الله عنهم.