للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى المسلمون جذع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه قالوا: لئن أظفرنا الله تعالى بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله تعالى أنزل في ذلك وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل: الآية ١٢٦، ١٢٧] الآية، فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر، ونهى عن المثلة، وكفر عن يمينه، وكان نزول هذه الآيات بعد أن مثل صلى الله عليه وسلم بالعرنيين. وستأتي قصتهم في السرايا.

واعترضه ابن كثير رحمه الله بأن هذه الآيات مكية وقصة أحد في المدينة بعد الهجرة بثلاث سنوات، فكيف يلتئم هذا مع هذا، هذا كلامه.

وقد يقال: يجوز أن يكون ذلك مما تكرر نزوله فليتأمل. وعن ابن مسعود رضي الله عنه «ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا أشد من بكائه على حمزة رضي الله عنه، وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشق» أي شهق «حتى بلغ به الغشي يقول: يا عم رسول الله، وأسد الله، وأسد رسول الله، يا حمزة يا فاعل الخيرات، يا حمزة يا كاشف الكربات، يا حمزة يا ذابّ» أي بالذال المعجمة «يا مانع عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم» أي قال ذلك لا مع البكاء. فلا يقال هذا من الندب المحرم وهو تعديد محاسن الميت، لأن ذلك مخصوص بما إذا قارنه البكاء وليس من نعي الجاهلية المكروه: وهو النداء بذكر محاسن الميت؛ على أن النداء بذلك محل كراهته إذا كان على وجه التفاخر والتعاظم، ولم يكن وصفا لنحو صالح للحث على سلوك طريقته.

وقال صلى الله عليه وسلم «جاءني جبريل عليه السلام، وأخبرني بأن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد الله، وأسد رسوله. وأمر صلى الله عليه وسلم الزبير رضي الله عنه أن يرجع أمه صفية أخت حمزة رضي الله عنها عن رؤيته، فقال لها: يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، فدفعت في صدره وقالت: لم؟ وقد بلغني أنه مثل بأخي، وذلك في الله فما أرضاني بما كان في الله من ذلك» أي أنا أشد رضا بذلك من غيري «لأحتسبن، ولأصبرنّ إن شاء الله تعالى، فجاء الزبير رضي الله عنه، فأخبره صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: خل سبيلها، فجاءت واسترجعت واستغفرت له» .

وفي رواية «إن صفية لقيت عليا والزبير رضي الله عنهما، فقالت لهما:

ما فعل حمزة: فأرياها أنهما لا يدريان» أي رحمة بها «فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أخاف على عقلها فوضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على صدرها ودعا لها فاسترجعت وبكت» أي لما رأته، أي وفي رواية «لما منعها عليّ والزبير رضي الله عنهما قالت: لا أرجع حتى أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأته قالت: يا رسول الله أين ابن أمي حمزة؟

<<  <  ج: ص:  >  >>