وفي أسد الغابة أن أويسا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وسكن الكوفة وهو من كبار تابعي الكوفة، وكان يسخر به.
ووفد رجل ممن كان يسخر به مع جماعة من أهل الكوفة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: هل هاهنا أحد من القرنيين، فجاء ذلك الرجل، فقال له عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال «إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس القرني وقد كان به بياض، فدعا الله تعالى فأذهب عنه إلا قدر الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فمروه أن يستغفر لكم» فأقبل ذلك الرجل لما قدم الكوفة إلى أويس قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس: ما هذا بعادتك؟ قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: كذا وكذا فاستغفر لي، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي ولا تذكر قول عمر لأحد فالتزم له ذلك فاستغفر له، وقتل أويس يوم صفين مع عليّ كرم الله وجهه.
ولما وصل صلى الله عليه وسلم المدينة أظهر المنافقون واليهود الشماتة والسرور، وصاروا يظهرون أقبح القول، أي ومنه: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب بمثل هذا نبيّ قط؛ أصيب في بدنه، وأصيب في أصحابه، ويقولون: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل.
واستأذنه صلى الله عليه وسلم عمر في قتل هؤلاء المنافقين، فقال: أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: بلى، ولكن تعوذا من السيف، فقد بان أمرهم وأبدى الله تعالى أضغانهم، فقال صلى الله عليه وسلم: نهيت عن قتل من أظهر ذلك، وصار ابن أبيّ لعنه الله يوبخ ابنه عبد الله رضي الله عنه وقد أثبتته الجراحة فقال له ابنه: الذي صنع الله لرسوله والمسلمين خير.
قال: وكانت عادة عبد الله بن أبيّ ابن سلول إذا جلس صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر قام فقال: «أيها الناس: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله تعالى به وأعزكم، فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا ثم يجلس» فبعد أحد أراد أن يفعل كذلك، فلما قام أخذ المسلمون بثوبه من نواحيه وقالوا له: اجلس عدو الله، والله لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت، فخرج وهو يتخطى رقاب الناس وهو يقول: كأني إنما قلت هجرا، وقال له بعض الأنصار: ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي، وأنزل الله تعالى قصة أحد في آل عمران، وهي قوله تعالى وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ [آل عمران: الآية ١٢١] الآية.