تُفْلِحُونَ (٩٠)[المائدة: الآية ٩٠] فكف الناس عن شربها.
وقد جاء أن حمزة رضي الله عنه لما شربها قال للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه هل أنتم إلا عبيد لأبي؟ أي ففي البخاري «أن حمزة رضي الله عنه لما شرب الخمر خرج فوجد ناقتين لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فعلاهما بالسيف وبقر خواصرهما، ثم أخذ من أكبادهما وجبّ سناميهما. قال علي كرم الله وجهه: فنظرت إلى منظر أفظعني، فأتيت نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبر، فخرج صلى الله عليه وسلم ومعه زيد، فانطلقت معه فدخل على حمزة فتغيظ عليه، فرفع حمزة رضي الله عنه بصره وقال:
هل أنتم إلا عبيد لأبي، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم يقهقر حتى خرج وذلك قبل تحريم الخمر، ولكون السكر كان مباحا لم يرتب على قول حمزة مقتضاه مع أن من قال لنبي أنت عبدي أو عبد أبي كفر.
واعترض القول بأنها في السنة الرابعة، بأن أنس بن مالك كان ساقيا لها، فلما سمع المنادي بتحريمها أراقها.
وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه: وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا: أي أبا أيوب وأبا دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل ابن بيضاء وأبيّ بن كعب وأبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، إذ جاء رجل وقال: هل بلغكم الخبر؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس فأهريقت. وفي لفظ قال أنس رضي الله عنه: فقمت إلى مهراس فضربتها بأسفله حتى تكسرت.
وفي مسلم عن أبي طارق رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله إنما أصنعه: أي الخمر للدواء، فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء، وإراقة الخمر حينئذ مع أنها كانت مباحة فهي محترمة تغليظ وتوكيد للتحريم وفطم للنفوس، لأن إراقتها لم تكن بأمر منه صلى الله عليه وسلم.
وسئل الحافظ السيوطي رحمه الله عن حكمة رجوعه صلى الله عليه وسلم القهقرى، فأجاب بأنه لعله كان من خوف الوثوب عليه إرشادا لمن يخاف الوثوب، أو كان مقصوده صلى الله عليه وسلم مداومته لحظه، أو أن الراوي أراد بالقهقرى مطلق الرجوع إلى المنزل لا بالظهر.
وأنس رضي الله عنه لم يكن خادما للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ: أي في السنة الرابعة بل بعدها. وحينئذ يكون القول بأن كونه في الثالثة أشكل.
وأشكل من هذا ما حكاه ابن هشام في قصة الأعشى بن قيس أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان بمكة اعترضه بعض المشركين من قريش، فسأله عن أمره، فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا أبا نصير إنه يحرم الزنا. فقال الأعشى: والله إن ذلك لأمر ما لي فيه من أرب، فقال: إنه يحرم الخمر. فقال