للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بواد كثير العضاة: أي الأشجار العظيمة التي لها شوك، وتفرق الناس في العضاة: أي الأشجار يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة أي ظليلة. قال جابر رضي الله عنه: تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم، فعلق صلى الله عليه وسلم سيفه فيها، فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئنا إليه فوجدنا عنده أعرابيا جالسا، فقال: إن هذا قد اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده مصلتا: أي مسلولا، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت الله، قال ذلك ثلاث مرات ولم يعاقبه صلى الله عليه وسلم اهـ.

وهذه الرواية مع ما قبلها يقتضي سياقهما أنهما واقعتان لا واقعة واحدة. ويبعد أن يكون ذلك الأعرابي هو غورث صاحب الواقعة الأولى، فيكون تعدد منه هذا الفعل مرتين، أي وأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [المائدة: الآية ١١] وتقدم أن سبب نزولها إرادة إلقاء الحجر عليه من بعض أهل بني النضير لعنهم الله، وتقدم أنه لا مانع من تعدد النزول لتعدد الأسباب.

وفي الشفاء: قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف قريشا، فلما نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ [المائدة: الآية ١١] الآية، استلقى ثم قال: من شاء فليخذلني.

أي وفيه أن هذا لا يحسن إلا عند نزول آية وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:

الآية ٦٧] إلا أن يقال: هو صلى الله عليه وسلم علم من ذلك أن الله مانع له ممن يريده بسوء وإن كان يجوز أن يمنعه من شخص دون آخر فليتأمل.

وإنما لم يعاقب صلى الله عليه وسلم ذلك الأعرابي حرصا على استئلاف قلوب الكفار ليدخلوا في الإسلام.

وكانت مدة غيبته صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة. وبعث صلى الله عليه وسلم جعال بن سراقة إلى المدينة مبشرا بسلامته وسلامة المسلمين، أي وكان رضي الله عنه من أهل الصفة، وهو الذي تمثل به إبليس لعنه الله يوم أحد حين نادى إن محمدا قد قتل كما تقدم.

وأبطأ جمل جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فنخسه صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ أنه حجنه بمحجنه فانطلق متقدما بين يدين الركب. وفي رواية: فلقد رأيتني أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لا يسبقه: أي وهو ينازعني خطامه مع أني كنت أرجو أن يستاق معنا. ثم قال له صلى الله عليه وسلم: أتبيعنيه؟ فابتاعه منه: أي بأوقية، وقيل بأربع أواق وقيل بخمس أواق، وقيل بخمسة دنانير، وقيل بأربعة دنانير بعد أن أعطاه فيه أولا درهما ممازحا له، فقال له جابر رضي الله عنه: تبيعني يا رسول الله؟ وفي رواية: لا زال صلى الله عليه وسلم يزيده درهما درهما، فيقول جابر: آخذته بكذا والله يغفر لك يا رسول الله، قال بعضهم: كأنه صلى الله عليه وسلم أراد بإعطائه درهما درهما أن يكثر استغفاره له، وقال له: لك

<<  <  ج: ص:  >  >>