للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قدرت على أن أقضي حاجتي ورجعت، فو الله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي» فليتأمل الجمع بين ما في السيرة الهشامية وما في غيرها على تقدير صحتهما.

«قالت: وقلت لأمي يغفر الله لك، تحدّث الناس بما تحدّثوا به لا تذكرين لي من ذلك شيئا» الحديث. وفي رواية «فقلت لأمي يا أماه يتحدّث الناس» وفي لفظ «قلت لأمي يغفر الله لك، تحدّث الناس بما تحدثوا ألا تذكرين لي من ذلك شيئا؟ قالت: يا بنية هوّني عليك» وفي لفظ «خفضي عليك الشأن، فو الله لقلما ما كانت امرأة قط وضيئة» أي جميلة «عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها» أي القول في تنقيصها.

وفيه أن ضرائرها أمهات المؤمنين لم يكنّ السبب في إشاعة ذلك ولم ينقصنها به، إلا أن يقال ظنت أمها ذلك على ما هو العادة في ذلك «وعند ذلك قالت:

فقلت: سبحان الله ولقد تحدّث الناس بهذا؟ أي وقلت قد علم به أبي؟ قالت نعم، قلت: ورسول الله؟ قالت: نعم، فاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ فقالت: بلغها الذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع» أي لا يرتفع «ولا اكتحلت بنوم في الليلة الثانية كذلك، ولما أصبحت أصبح أبواي عندي يظنان أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي أي وهما يبكيان وأهل الدار يبكون، فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي معي» وسمعت من بعض الشيوخ أن هرّة كانت بالبيت جالسة تبكي أيضا «فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث صلى الله عليه وسلم شهرا لا يوحى إليه في شأني، فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس. ثم قال: أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تعالى تاب الله عليه» .

قال بعضهم: دعاها إلى الاعتراف ولم يأمرها بالستر، أي مع أنه المطلوب ممن أتى ذنبا لم يطلع عليه.

وفي لفظ. «قال يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتق الله، فإن كنت قارفت» أي اكتسبت «سواء مما يقول الناس، فتوبي إلى الله تعالى، فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عباده. قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي» أي ارتفع «حتى ما أحس منه بقطرة. فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال. قال:

فو الله لا أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت:

<<  <  ج: ص:  >  >>